الروح السليمة
لو أن شجرة سليمة الجذع سالمة الجذور تعرضت إلى بعض الحوادث فتساقطت ثمارها وتناثرت أوراقها أو بريت أغصانها أو عصف البرد بخضرتها أو التهمت الطير ثمارها وأفسدتها، فإن ذلك أمر يدعو إلى الأسف ولكنه لا يدعو إلى القلق أبداً، لماذا؟ لأن جذعها سالم ولذا فهي ستورق من جديد وستعود إليها خضرتها مرة أخرى، ثم تكتض بالثمار ملقية ظلالها الوارفة من جديد، ومادام الأمر كذلك فإن من حق الإنسان أن يشعر بالأمل.
إن الوجود يشبه إلى حد بعيد شجرة مثمرة، فإن كانت سالمة من العيوب كانت نضرة قوية تهب الخضرة والثمار وتلقي بظلالها الوارفة على الطريق فيستريح عندها العابرون ويتفيأون ظلالها بعد أن أحرقتهم حرارة الشمس ولكن هذه الشجرة قد تتعرض لبعض الحوادث من قبيل عبث الأطفال فتذهب تلك المعاناة في رعايتها أدراج الرياح.
وهكذا الإنسان يعاني ويتألم سنوات طويلة لكي يعد نفسه ويكون حياته وإذا كل ذلك يذهب في لحظة واحدة في ضربة من ضربات القدر تجعل منه بائساً فقيراً، ذلك ان متاع الحياة الدنيا معرض لآلاف الآفات كالغرق والحرق والخطف وغيرها. وبالرغم من أن كل ذلك يبعث على الأسى، ولكنه لا يدعو إلى القلق خاصة بالنسبة لأولئك الذين يتمتعون بالروح القوية والأمل.
إن الجسم السليم الذي يخضع لجراحة ما لا يدعو إلى القلق لأنه يملك استعداداً ذاتياً على التئام أنسجته، بعكس الجسم الذي يعاني من مرض السكري ـ مثلاً ـ فإن هنا أمر يصعب علاجه وتجنب أخطاره، ولذا فهو يدعو إلى القلق، ذلك أن أدنى جرح بسيط يستغرق وقتاً طويلاً لالتئامه.
إن الإنسان الذي يتمتع بالمعنويات العالية وبالأمل يمكنه أن يجبر كل كسر يتعرض له، غير أن الطامة الكبرى تحل فيما إذا تعرض الجذر نفسه للآفات، وإذن فلن يبقى للخضرة والثمار من أثر.
لو أصيب الإنسان ـ لا سمح الله ـ في روحه وقلبه وذبلت عواطفه وأحاسيسه، وأصبح ساخطاً على الناس متشائماً منهم، ورأى نفسه وحيداً دون سند ومعين، إن مثل هذا الإنسان سيكون عديم النفع لنفسه وللآخرين وعندها يتساوى موته مع حياته.
وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بالخسران المبين، وهم أولئك الذين خسروا أنفسهم وأرواحهم، فليس مهماً أن يخسر الإنسان بعض ثمار حياته ولكن الخسارة الكبرى أنه يخسر الأمل والرجاء، والأكبر من ذلك أن يخسر الإنسان الإيمان الذي هو نبع الأمل، ذلك أن الإيمان يصنع التوكل والاعتماد والأمل.
إن الإنسان المؤمن لا يعتبر نفسه وحيداً أبداً وهو يردد دائماً: (إياك نعبد وإياك نستعين) و(ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير). [الممتحنة: 4]