عبدالله شعبان عضو مجلس اداره
عدد المساهمات : 4364 نقاط : 12043 التقييم : 4 تاريخ الميلاد : 12/07/1969 تاريخ التسجيل : 21/09/2009 العمر : 55 المزاج : هادىء تعاليق : اللهم من اعتز بك فلن يذل ، ومن اهتدى بك فلن يضل ، ومن استكثر بك فلن يقل ، ومن استقوى بك فلن يضعف ،
ومن استغنى بك فلن يفتقر، ومن استنصر بك فلن يخذل ، ومن استعان بك فلن يغلب ، ومن توكل عليك فلن يخيب ،
ومن جعلك ملاذه فلن يضيع ، ومن اعتصم بك فقد هدى إلى صراط مستقيم،اللهم فكن لنا وليا ونصيرا ، وكن لنا معينا ومجيرا ،
إنك كنت بنا بصيرا
| موضوع: الخنازير والحج.. قراءة موضوعية 2009-10-03, 03:29 | |
| رعى الفقهاء المسلمون عبر التاريخ مستجدات الحادثات و تعاطوا معها، حتى استقر فقه النوازل فرعًا مهما فى أدبيات هذا العلم الشريف عند المسلمين. و ليس من شك فى تقدير قيمة النازلة يزداد خطرًا إذا ما اشتبك مع ما يمكن أن يقود إلى تعطيل بعض الشريعة ، و لا سيما أن لله مرادًا و مقصدًا من حفظ دينه ، و استقرار شريعته ، و تنامي تشريفها و تعظيمها .
و على خلفية هذا المدخل فإن المسلم المعاصر يحتاج إلى شيء من الروية فى قراءة المشهد المتعاطي مع أزمة إنفلونزا الخنازير من قبل الإدارة الحكومية فى مصر و لا سيما بعد صدور قرار مجلس الوزراء بتأجيل الدراسة ، كما صرحت الصحف كافة فى أعدادها الصادرة فى يوم الجمعة 21/9/1430هـ= 11/9/2009م ، و من قبله صدور قرار منع فئات عينتها الحكومة من العمرة و الحج!
وهو الأمر الذى لا يصح معه أن نقرر أن تعامل الإدارة المصرية مع الأزمة كان تعاملا مجتمعيا يركن إلى جانب النصيحة والإرشاد ؛ ذلك أنها اتخذت قرارات مانعة لعدد من الفئات العمرية من الخروج للحج و العمرة.
والقارئ لخلفيات إدارة الأزمة لا يستطيع أن يمنع نفسه من توارد عدد من الملاحظات المهمة وهى تتبدى خلف هذه الأزمة ، و خلف شكل التعاطي معها.
الاستهتار بالفريضة!
و أنا أستأذن القارئ الكريم في سردها في هيئة فقرات كما يلي:
أولا- لا يستطيع أحد أن يمنع ذهنه من تصور إسهام متفاوت التقدير في حجمه لما يسمى بأجواء النظام العالمي الجديد ، بمعنى أن ثمة تصورا حاضرًا في الذهن يرعى شيئا من إدارة الغرب للتقليل من المشهد المتولد عن موسم اجتماع المسلمين في الأراضي المقدسة
أى أن سكوت المنظمات الدولية المعنية بمتابعة الأزمة تعكس مرادًا ظاهرًا للقضاء أو للتخفيف من آثار المشهد الناتج عن اجتماع الحجيج في صعيد واحد في غير ما مكان من أماكن المناسك ، وهو ما يعكس وعيا بمقاصد الحج السياسية.
وهو ما يصدقه ما تواتر من إرادة هذا المقصد في مثل هذه المناسك ، ألم يكن خروج النساء الحيض إلى العيد لتكثير سواد المسلمين ، و لشهود الخير و جماعة المسلمين ؟!
ثم ألم يجوّز الشرع تزيين السلاح في مواجهة الأعداء مع سابق المنع الكلى لاستعمال الذهب و الفضة بدافع كسر قلب العدو، و النيل منه ؟
عولمة التعتيم
إن من المهم جدا أن نلمح و لو احتمالا أن ثمة مرادًا للعولمة في إخفاء هذا المشهد الجامع للحجيج في أرض المناسك المعظمة لأن بعدًا نفسيا مهمًا يتسلل من ورائه للجماهير الغربية ، يعيد التذكير من كل عام بآثار الفتوحات الإسلامية التى رفعت الأذان في قلب أوربا في زمن ما !
إن ضرب موسم الحج بما هو نسك ذو وجه سياسي ربما يكون غرضا عالميا .
ثانيا- ربما يكون إغراقا منا في التأمل و القراءة أن نقرر أن ثمة مرادًا يقف في خلفية التهوين من مكانة الأراضي المقدسة ؛ ليستعمل ورقة ضغط على النظام الحاكم فى المملكة العربية فى الجزيرة العربية من قبل الغرب المساعد للصهاينة لدفعها دفعا نحو التطبيع ، أو ما هو بمنزلة التطبيع .
ومن جانب آخر فإن قراءة اقتصاديات الحج بما هى رافد من أهم الروافد الداعمة للاقتصاد السعودى ، فإذا ما تم إحراز نجاح فى التأثير السلبى فى هذا الاقتصاد أمكن أن يتقدم الغرب ( الولايات المتحدة الأمريكية و أوربا و إسرائيل ) خطوة أخرى فى إرباك النظام السعودى الحاكم مهما كانت الرؤى حوله اتفاقا و اختلافا.
وهذا الوجه المنضوي تحت هاتين الفقرتين الأولى و الثانية مما سميناه بضرب المقصدين السياسي و الاقتصادي للحج ظاهر معلن فى سياق قوله تعالى ﴿و أذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا و على كل ضامر يأتين من كل فج عميق / ليشهدوا منافع لهم و يذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها و أطعموا البائس الفقير﴾ [ سورة الحج 22/27-28] .
وهو تعبير واسع يشمل هذه المداخل السياسية و الاقتصادية و الاجتماعي، و لا شك أن العلمانية الغربية ، وما يتبعها من نسخ عربية تستهدف الفتك بهذه المنافع!
تاريخ الحج يرفض
ثالثا- ثمة ملحظ ثالثا فى سياق تأمل هذه الأزمة يجب التوقف أمامه وهو أن تاريخ المسلمين لم يعرف على امتداده ما يسمى بتعطيل الشريعة ، أو منع نسك هو فى رتبة الركن.
صحيح أن حفظ النفس الإنسانية مقصد كلى من مقاصد الشريعة الغراء ؛ لكن الشريعة فى سعيها و حرصها على تأمين هذه النفس و صيانتها تتحرك و صوب عينها حفظ الدين و عدم تضييع الشريعة وهو الأمر الذى يتبدى من وراء التحول من القيام إلى القعود أو الاضطجاع فى الصلاة لمن هو غير قادر على القيام ، و منة تأجيل الصيام لمن لا يقدر عليه إلى أيام أخرى يسعه الصيام فيها .
إن السوابق التاريخية التى مرت على الأمة لم يصاحبها دعوة من قبل العلماء أو الحكام الإسلاميين بتعطيل فريضة فى حجم فريضة الحج ، فكم من طاعون فاتك أصاب غير بلد إسلامي بدءًا من عام الرمادة و طاعون عمواس و انتهاء بطاعون الكوليرا سنة 1947م الذى ضرب مصر و فى أيام الحملات الصليبية ، وما صاحبها من قطع طرق المواصلات الإقليمية و العالمية .
أقول فى كل هذه السوابق التاريخية لم نسمع دعاة إلى تعطيل الشريعة باسم وباء واسع الانتشار حقيقة ، و غير واسع الفتك أيضا.
رابعا- ثم إن هناك مسألة أخرى لم يقف أمامها هؤلاء الدعاة و يمحضوها فكرهم ، وهى مع الإقرار بتوافر أجواء تتهدد الأمن الإنسانى من جراء سعة انتشار هذا الوباء ، وهو ما يصب مباشرة فى باب المقصد الكلى المتعلق بحفظ النفس ، فأين المقصد الكلى المتعلق بحفظ الدين أن أى حكومة فى أى بلد مسلم مسئولة عن أمرين معا هى حراسة الدين ، وحراسة مصالح الناس.
وإذا كان التوجه نحو المنع الجزئي أو الكلى من الحج و العمرة مثلا بغرض حفظ النفس الإنسانية فأين الممارسات القاضية بحفظ الدين و حراسة الشريعة ، و عند التعارض – إن صح وجوده – فأين تراتب المقاصد الكلية ؟ هل حفظ الدين مقدم أم مؤخر فى مواجهة حفظ النفس.
الكيل بمكيالين
و إذا صح لنا أن نتوسع فى المقارنة فإننا نتوسع فى إطلاق الأسئلة متابعة منا لما أطلقه الشيخ جمال قطب فى لقاء جمعنا به الصديق العزيز الدكتور رفعت سيد أحمد فى مركز يافا للدراسات و البحوث بعد دعوة كريمة للإفطار يوم الخميس ، رمضان 1430هـ = 10 سبتمبر 2009م – وهو محق تماما فى إطلاقها لماذا لم تتحرك الإدارة فى اتجاه منع الجماهير التى تملأ مدرجات ملاعب كرة القدم ؟ و لماذا لم نسمع دعوة إلى إغلاق دور السينما والمسارح ؟ إنني – و الكلام لي – أرى فى هذه الخطوة من قبل الإدارة المصرية ما يعكس توحش العلمانية و توحش رموزها المقربة من دوائر اتخاذ القرار.
ومن الحق أن نقرر محذرين إن الاقتراب من دائرة تعطيل الشرائع ، و إن أحرز نصرا للدوائر العلمانية ، فإنه نصر زائف من فصيلة الانتصارات المدمرة المخيفة المرعبة المهددة للأمن و السلام الاجتماعيين ؛ لأنه نصر رخيص يتهدد دين الناس.
خامسا- ثمة بعد آخر يتبدى لنا من خلف قراءة تداعيات الأزمة وهو البعد المتعلق بمدى توافر أجواء أحسن الظن بالمؤسسة الدينية الرسمية بمناحيها الأزهر الشريف ، و دار الإفتاء ، و إليك بعض علامات هذا التوجس.
كيف نفسر سكوت المؤسسة الدينية الرسمية تجاه هذه الأزمة ، و كيف نفسر صمتها فى مواجهه عدم دعوة رجالها لاستطلاع آرائهم من قبل مجلس الوزراء المصرى ؟.
ثم هل يمكن أن نصدق أن رجال صناعة الفتوى الرسمية فى مصر الذين انحازوا إلى القرار الحكومى القاضي بمنع بعض الفئات السنية من الحج و العمرة ، و بتأجيل الدراسة فقط ، من دون منع لتجمعات المشاهدين فى الملاعب و دور السينما و المشاهدات المسرحية و غيرها.
فتاوى حكومية
أقول هل يمكن أن نصدق أن رجال صناعة الفتوى الرسمية فى مصر لا يعرفون فارق بين الوباء و الطاعون ؛ حتى يستشهد كبراؤهم بحديث النبي صلى الله عليه و سلم الذى يقول فيه :" إذا سمعتم بالطاعون فى أرض فلا تدخلوها ، و إذا كنتم بها فلا تخرجوا منها " وهو متفق عليه ، و الثابت المستقر عملا بجمع السنة جوازا الخروج بشرط عدم الفرار لمنطوق عدد من الأحاديث المقيدة بقيد الفرار.
وهو ما يثير أسئلة كثيرة حول تغييب هذا القيد الذى يجوز مع اعتباره الخروج و الدخول للشغل على حد تعبير الفقهاء ، وهو الأمر المعتبر فى الخروج للحج و العمرة و المعتبرات الشرعية ونحن هنا فى حاجة إلى أن نسأل عن الفرق بين الطاعون و الوباء ، ومع القول بالتسوية ، فهل صح من أحد منع الخروج مطلقا ؟ و إن كان فماذا نفعل فى المرويات الصحيحة المقيدة بقيد المنع من الخروج بسبب الفرار ؟
إن تساؤلات كثيرة هذه أمثلة عليها تقيد التساؤل مرة أخرى حول ما شاع زمانا طويلا عما سمى باسم فقهاء السلطة و مفتى السلطان كيف صح أن تغيب هذه الاعتبارات فى التكييف المعاصر فقهيا .
إن شيئا ما من أزمة الثقة تسكن قلوب الجماهير حول رجال صناعة الفتوى الرسمية فى مصر ، و هذه بعض مسوغاتها .
العلمانية والحج
ويبقى فى النهاية أسئلة كثيرة حول الإسهام العلماني فى إشعال جذوة الجرأة على شعائر الإسلام ، ذلك إنه إن كان صحيحا أن إنفلونزا الخنازير ارتقت لتكون طاعونا –وهو غير صحيح جملة و تفصيلا – فلماذا غيب الرأي الفقهي القاضي بتجويز الخروج لغير الفرار ، و إن كانت مصر دار وباء عام فلماذا لم تمنع السفر للعمل ، و الدخول للسياحة ؟!
إن المتابع القارئ لخلفيات إدارة أزمة إنفلونزا الخنازير فى اشتباكها مع قرارات المنع الجزئى للحج و العمرة ، و ما يتعلق بها أيضا من قرارات داخلية يشم رائحة توحش علماني يسكن أروقة اتخاذ القرار فى مصر.
على أنه من الحق أن نقرر تبعا لما قرره الشيخ جمال قطب ، و الدكتور عبدالتواب مصطفى أن النظام المصرى أحسن فى شئ ينبغي أن يذكر له نظريا ، وهو دعوته لمنظمة الصحة العالمية أن تقرر المعايير الفنية وراء ما إذا كان هذا المرض داعيا إلى اتخاذ إجراءات مانعة أم لا ؟
لكن ذلك الإقرار بهذه النقطة الإيجابية لا تستطيع أن تصمد فى مواجهة كل علامات التوحش العلمانى الذى يجر البلاد نحو مربع الجرأة على الشريعة ، كل رجائنا ألا تتورط الحكومة المصرية فتدخل فى نفق شديد الإظلام على مداخله لافتة تعلن أنه قد بدأت مرحلة تعطيل المناسك ، و المنع من أداء الفرائض.
باسم الأمن و الإسلام الاجتماعي ، و باسم واجب حراسة الدين و باسم ضرورة استبقاء سمعة المؤسسة الدينية الرسمية ندعو الجميع إلى أن يصونا الشريعة ، يحسنوا إلى الدين و الناس.
--------------------------------------------------------------د. خالد فهمي / 29-09-2009
أستاذ بكلية الآداب جامعة المنوفية
منقول من موقع اسلام اون لاين | |
|