احمد الفقي عضو مجلس اداره
عدد المساهمات : 2467 نقاط : 9965 التقييم : 0 تاريخ التسجيل : 14/08/2009 تعاليق : سبحان الله والحمد لله ولااله الا الله والله اكب
اللهم احمي مصر واجعلها بلدا امنا واحفظ اهلها واحفظنا وسلمنا من هذه الفتن التي نحن فيها ووحد كلمتنا
| موضوع: سلاح الرعب 2011-05-04, 01:41 | |
| ذكر القرآن الحكيم إحدى الحوادث التاريخية، التي تعكس بأحداثها وآثارها عزة الله وحكمته، حيث يضع أمامنا صورة واقعية لغلبته ورسله، ويفصل فيها القول مما يجلي عزته وحكمته، فبعزته كتب الهزيمة على اعدائه، والنصر لرسوله وللمؤمنين، وبحكمته أعطى هذا النصر الكبير للمسلمين من دون تضحيات. قال الله تعالى: (هو الذي اخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر) ومن خلال التدبر في هذه الآية، نلحظ ان الله تعالى يقول: (الذين كفروا من أهل الكتاب) ولم يعم أهل الكتاب كلهم، وذلك لأن حرب الله عليهم، وموقف المؤمنين منهم لا ينطلق من عنصرية ولا حسد، باعتبارهم أهل كتاب آخر، انما ينطلق من موقفهم العدائي تجاه الله والقرآن والرسول. فقد تآمروا على النبي صلى الله عليه وآله، ونقضوا عهدهم مع المسلمين، وسعوا للتحالف مع كفار مكة ومشركيها. ذلك لما هزم المسلمين يوم احد ارتابوا ونكثوا وطمعوا فيهم، فخرج كعب بن الاشراف في أربعين راكبا إلى مكة، وحالفوا أبا سفيان عند الكعبة. فأهل الكتاب إذا التزموا بكتابهم وعهودهم، فانهم محترمون في الإسلام. اما إذا كفروا وتآمروا، فقد خرجوا من ذمة الاسلام، ووجب قتالهم وإجلاؤهم عن بلاد المسلمين؛ وهذا ما حدث بالضبط مع يهود بني النضير وغيرهم. وهذا القول لعله أقرب من تفسير (كفروا) بانه عدم اعتناق الإسلام، لان الله تعالى لا يكرههم عليه، ولا يعتبر كونهم من النصارى أو اليهود مبررا لقتالهم. أبدا؛ بل يفرض لهم حق العيش بأمن في ذمة الإسلام والمسلمين، ويدافع عنهم كأي مواطن مسلم ضمن عهود وحدود مفصلة في كتب الفقه. فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يتألم للمسلمة المعتدى عليها في ظل حكومته، كتألمه على الأخرى الكتابية، لا فرق بينهما، فيقول: (ولقد بلغني ان الرجل منهم كان يدخل على المرآة المسلمة والاخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعثها.. فلو ان امرء مات من بعد هذا اسفا ما كان به ملوما، بل كان به عندي جديرا). هذا هو واقع الاسلام، والمنطلق السليم الذي ينبغي اعتباره في تحليل التاريخ، ومواقف المسلمين من أهل الكتاب. اما الأحقاد الموجهة ضدهما من الصهيونية والصليبية فهي لا تتأسس الا على الحسد والأهواء والمصالح؛ بلى إذا حرف أهل الكتاب كتابهم، وتحولوا إلى مسيرة مناقضة لقيمه الحقيقة، والى حرب الإسلام وقيادته واتباعه، وجبت محاربتهم، لانهم حينئذ ليسوا من رسالات الله وانبيائه في شيء. وعودة على بدء، نعود إلى أول الآية عند قوله تعالى: (هو)، ونتساءل: لماذا يثبت الله ارادته ويؤكدها في هذا الموضع بالذات؟ أولا: لان الانتصارات والمكاسب التي يحرزها المؤمنون، انما هي بإرادة الله. ثانيا: وتأكيد القرآن على هذه الحقيقة يكون اشد ضرورة، خاصة وان هذه الآيات تبحث حادثة اجلاء اليهود الذي تم من دون قتال عسكري، وما تلاه من احكام توزيع الفيء الذي خص به النبي صلى الله عليه وآله فريقا من الناس دون آخرين، واثار حولها المنافقون الشبهات. فإن تذكر المسلمين بان الاجلاء جاء نتيجة ارادة الهية، ومن دون قتال يوحي بأن الله هو الذي اخرج الاعداء، وان المكاسب المادية في الفيء يتصرف فيها النبي كيف يشاء، الأمر الذي يبطل شبهات المنافقين حول تقسيم الفيء. ثم يؤكد دور الارادة في نصرة المسلمين وجلاء اليهود، وكيف انها رغم الظروف والظنون المعاكسة غير المعادلة. فلم يكن المسلمين وهم يلاحظون قوة اليهود من جهة، ويلاحظون قدراتهم المحدودة من جهة اخرى، يظنون بأن اليهود سوف يخرجون. ثم ان اليهود من جانبهم وهم المدججون بالسلاح، وأصحاب الخيرات، والمحصنون بالقلاع.. ما يخطر على بالهم بان ثمة قوة تستطيع الانتصار عليهم واخراجهم. قال الله تعالى: (ما ظننتم ان يخرجوا وظنوا انهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) كما ان الغرور بلغ باليهود حدا تصوروا انهم يمتنعون حتى من قدرة الله وارادته، اما المنافقون واليهود أنفسهم والذين ينظرون إلى الحياة، بمقاييس مادية ظاهرة، ولا يحسبون للغيب حسابا، فقد جزموا بانتصار جبهتهم وهزيمة المؤمنين؛ بل راح المنافقون يكاتبون بني النضير، يشجعونهم على الصمود. ولو اننا درسنا قضية الصراع الإسلامي الصهيوني القائم اليوم بكل ابعاده، لوجدناه صورة أخرى لهذه الآية المباركة. فبعض المسلمين اليوم يزعمون بأن اليهود لا يخرجون من فلسطين، الأمر الذي دفع الكثير منهم إلى الاستسلام ورفع راية التطبيع. والصهاينة الذين تدعمهم القوى الاستكبارية يجدون انفسهم محصنين ضد أي قوة، وأنهم اقوياء.. ويدفعهم هذا الغرور ليس إلى الاصرار على البقاء في فلسطين،بل يثير فيهم الاطماع التوسعية أيضا. ولكن قوة الله فوقهم، وسوف يهزمهم جنده. (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا). وسيأتي اليوم الذي يتأكد للصهاينة الغاصبين ومن يدعمهم، ان قوتهم لا تغني عنهم شيئا، فإن الله يعلم نقاط ضعفهم، ولديه من الأساليب والمكر ما لا قبل لهم به. ثم قال الله عزوجل: (وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار) إذا فهناك عاملان لهزيمتهم؛ الأول: ظاهري مادي، وهو اتيان الله لهم من خارج حساباتهم وخططهم. والثاني: خفي وهو الرعب، لان السلاح مهما كان متطورا فتاكا لا يجدي نفعا إذا سلب صاحبه ارادة القتال، وتضعضع جانبه المعنوي. ولذلك يعتبر السلاح المعنوي (تقوية معنويات الجندي وتضعيف العدو) من اهم عوامل النصر، ومن اجله يرصد المتحاربون الاموال والامكانات الطائلة، ويخصصون له الوسائل والخبرات الكثيرة، ويسعون للإبداع فيه ما امكنهم. وسلاح الرعب والخوف، وسلب المعنويات من امضى واظهر الأسلحة التي ايد الله بها نبي الاسلام، واعتمدها المسلمون في حروبهم. وفي مواجهة النبي صلى الله عليه وآله مع بني النضير، القى الله الرعب في قلوب اليهود حتى استوعبها كلها، فتغيرت المعادلة من الكبرياء والغرور إلى الهزيمة النفسية. وقد عمد النبي نفسه إلى استخدام سلاح الرعب، حيث أمر باغتيال كعب بن الاشرف، ولعل هدمه لبعض دورهم، وقطع نخيلهم، كان في بعض جوانبه جزء من خطة ارعابهم. وحينما يهيمن الرعب على القلوب، فانه يفقد العدو القدرة على التخطيط السليم، لان من اهم ما يحتاجه الإنسان لكي يكون تفكيره منطقيا معقولا الاستقرار والاطمئنان الداخلي. وقد فقد اليهود ذلك فخرجوا من التعقل إلى الانفعال، فصاروا يخططون ويعملون ضد انفسهم من حيث لا يشعرون، حيث راحوا يهدمون بيوتهم بأيديهم حتى لا ينتفع بها المؤمنون، وقيل حتى يصبح ركام الخرائب حائلا دون تقدم المسلمين.. وغاب عنهم انهم اظهروا بذلك التصرف هزيمتهم للمسلمين، مما قوى معنويات عدوهم فصاروا متيقنين بالنصر بعد ان كانوا لا يظنون بان اليهود يخرجون. وهذه الحادثة التاريخية وامثالها حرية بالدراسة والتحليل، لما فيها من المنفعة الدنيوية والاخروية للانسان، والمؤمنون اولى من غيرهم بدراستها، لانها جزء من تاريخ حضارتهم، ولانها تعنيهم وتهمهم أكثر من أي احد. من هنا اكد ربنا القول: (فاعتبروا يا اولي الابصار) والاعتبار هو العبور من الظواهر إلى الحقائق، ومن الاحداث إلى خلفياتها. والعبرة الحقيقية ليست بأن يستفيد الإنسان من دراسته لاي حدث أو قضية افكارا علمية ونظريات وخططا وحسب، بل هي بالاضافة إلى ذلك ان تنعكس على سلوكه الشخصي في الحياة، ويهتدي بها إلى اهم العبر والمواعظ، وهي الايمان بالله عزوجل. وقد قال الامام الصادق عليه السلام: (ولا يصح الاعتبار الا لأهل الصفا والبصيرة). ومن أهم العبر التي نستفيدها من هذا الحدث التاريخي، هو معرفة حكمة الله وعزته، والثقة بنصره للمؤمنين رغم الظروف والعوامل المعاكسة. وما احوجنا ونحن نقف اليوم في جبهة الصراع ضد اعداء الأمة الإسلامية، وبالذات ضد الصهاينة الغاصبين، ان نتسلح بهذه البصيرة، وننتفع من دراسة تلك التجربة التاريخية. | |
|