أبو الرجال مشرف القسم الاعلامى
عدد المساهمات : 213 نقاط : 5996 التقييم : 0 تاريخ الميلاد : 20/10/1972 تاريخ التسجيل : 03/11/2009 العمر : 52 المزاج : مؤمن بالله تعاليق : ما كان يومئذ دين فهو اليوم دين ومالم يكون يومئذ دين فليس اليوم بدين
اذا لم تكن سلفيا فتشبه بهم فإن التشبه بالكرام فلاح
| موضوع: السلفية الإحيائية 2011-04-23, 00:13 | |
| حسن أبوهنية يعتبر مفهوم "السلفية" من أكثر المفاهيم التباسا وغموضا ومدعاة للاختلاف على الرغم من شيوعه وانتشاره واستخدامه على نطاق واسع من لدن الباحثين والمفكرين كما يؤكد الدكتور فهمي جدعان، الذي توصل إلى تصنيف حاول من خلاله التمييز بين سلفية تاريخية وأخرى مجددة، مع التأكيد على جملة من السمات التي تتحكم في تشكيلات وتكوينات مصطلح السلفية في مقدمتها الالتفاف حول شعار "الاتباع لا الابتداع". تبلورت السلفية تاريخيا مع بروز تيار "أهل الحديث" الذي ظهر في مواجهة "أهل الرأي" الذين توسلوا بمناهج عقلية في قراءة النص وتأويله تعود بعض أصولها إلى الحضارة الإغريقية التي جاءت عن طريق الترجمة والاحتكاك، ورأى فيها أهل الحديث خطرا يهدد صفاء الإسلام ونقاءه ويؤذن بتفكك الأمة وسقوطها باعتباره من "محدثات الأمور" التي يجب التصدي لها ومقاومتها، ولعل موقف الإمام أحمد بن حنبل الصلب من محنة القول بخلق القرآن سنة 218هـ أيام المأمون الذي تبنى رأي المعتزلة كان حاسما في بلورة وعي سلفي عمل على بلورة موقف سلفي واضح ومتميز لأول مرة، ثم شهد انحسارا وتراجعا ليعاود الظهور مع نهاية الخلافة العباسية عقب سقوط بغداد في أيدي التتار سنة 656هـ على يد شيخ الإسلام ابن تيمية الذي حمل المبتدعة من الجهمية والقدرية والباطنية والصوفية والمعتزلة والأشاعرة وعموم الفلاسفة والمتكلمين مسؤولية السقوط وشن حملة لا هوادة فيها على أهل البدع داعيا إلى إحياء عقيدة ومنهج السلف من أجل الخروج من المأزق التاريخي وتحقيق النهضة. وقد لاقت دعوة ابن تيمية نجاحا محدودا آنذاك من خلال السجال والجدل الذي أحدثه في بيئة كانت شبه راكدة، إلا أنها شهدت تراجعا كبيرا بعد ذلك لتعاود الظهور مرة أخرى في القرن الثامن عشر على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الحجاز في لحظة انحطاط الدولة العثمانية وصعود الغرب. أثرت الحركة الوهابية على مجمل الحركات الإصلاحية التي ظهرت في العالمين العربي والإسلامي في ظل تصاعد التمدن الغربي الذي بات يشكل تهديدا حقيقيا وخطرا قريبا من دار الإسلام، لتزدهر الدعوة إلى التعلق بالأصل الذي قام عليه التمدن الإسلامي من خلال الدعوة إلى نبذ البدع والضلالات التي أدت إلى حالة الجمود والتخلف، وقد استمرت هذه الدعوة ذات الطبيعة السلفية طيلة فترة الانحطاط العثماني والفترة التي شهدت حركات التحرر من الاستعمار الغربي، كما يلاحظ فهمي جدعان، إلا أن ظهرت حركات ذات طبيعة مختلفة قومية وليبرالية ويسارية سيطرت على المشهد العربي والإسلامي وبسطت هيمنتها على مقاليد السلطة في الدولة الوطنية عقب أفول المد الاستعماري. ُُقلّ دور السلفية بشكل عام لتعاود الظهور بصورة مكثفة وحادة عقب هزيمة حزيران سنة 1967 التي اعتبرت هزيمة منكرة للأنظمة وأيديولوجياتها القومية واليسارية والليبرالية، وبرهنت على عجزها وإخفاقها في تحقيق مشاريع التحرر والتقدم، لنشهد بزوغ ما اصطلح على تسميته "الصحوة الإسلامية"، التي تتموضع "السلفية" في سائر مفاصلها وتكويناتها وتركيبها على اختلاف مشاربها التي أسفرت عن ظهور سلفيات متعددة من أبرزها: السلفية الإصلاحية في مصر التي بلورها الأفغاني ومحمد عبده ثم رشيد رضا، والسلفية الوطنية التي ظهرت في المغرب العربي واستندت إلى تراث الحجوي والعربي ثم ابن باديس وطورها علال الفاسي، والسلفية الوهابية في الحجاز التي أسسها محمد بن عبد الوهاب وتوسع فيها أئمة الدعوة النجدية. في هذا السياق ظهرت سلفية جديدة على يد الشيخ ناصر الدين الألباني، المولود عام1914 في مدينة أشقودرة عاصمة ألبانيا آنذاك، لأسرة فقيرة محافظة متدينة على المذهب الحنفي، هاجر به والده مع عائلته خشية على دينه عندما تولى حكم ألبانيا الملك أحمد زوغو الذي سار في البلاد على نهج أتاتورك في تركيا، واستقر في دمشق وللألباني من العمر تسع سنوات، وأكمل تعليمه الابتدائي في مدرسة جمعية الإسعاف الخيري، ثم آثر والده أن يتولى تعليمه بنفسه، وعلى يد بعض المشايخ تعليما موازيا بسبب فساد التعليم النظامي تحت الإدارة الاستعمارية الفرنسية. تعرف الألباني على الفكر السلفي عن طريق مجلة "المنار" التي كان يصدرها رشيد رضا، السلفي الإصلاحي المعروف، إلا أن الألباني أبدى تحفظا على نهج السلفية الإصلاحية في شقها السياسي الذي أفرز جماعة الإخوان المسلمين على يد الإمام حسن البنا عام 1928، فضلا عن الانتقادات الحادة المتعلقة بالمسألة العقدية ومسالك العمل الإسلامي، وتمكن من بلورة سلفية جديدة تقطع مع السلفيات السابقة من خلال اشتغاله بعلم الحديث تتأسس على منهج علمي دعوي يقوم على مقولة "التصفية والتربية"، التي تمثل جوهر "السلفية الإحيائية" التي تنأى بنفسها عن العمل السياسي بحيث أصبحت مقولته الشهيرة "من السياسة ترك السياسة" شعارا لأتباعه ومدرسته في العالم الإسلامي اليوم. يرى رضوان السيد أن هذه السلفية لا تخرج عن صنف الحركات الإحيائية التي تظهر تاريخيا من أجل الحفاظ على طوبى الهوية المفقودة كحركة طهورية تقوية تروم تنقية العقائد والعبادات مما علق بها من ممارسات ويشدد على أن طبيعتها غير سياسية، أما الدكتور حيدر إبراهيم فيتابع هرير دكمجيان بوصفها حركات تولد من رحم الأزمات التاريخية. في الحقيقة أن هذه السلفية الإحيائية غير مأزومة بتاتا، كما يشير جورج طرابيشي، فهي تتوافر على رصيد هائل من اليقين والاطمئنان، وتكمن الأزمة بنظرها في طبيعة المجتمعات الجاهلة بدينها الكامل الذي يحتوي على جميع الإجابات لكل التساؤلات والتحديات المعاصرة، فمن خلال التصفية يمكن استرجاع الصورة الأصلية للإسلام بتنقيته وتطهيره من جميع ما علق به من تلوينات وبدع محلية وتكييفات ظرفية خضع لها على مر القرون من البعثة على يد الفلاسفة والمتكلمين والمتصوفة والمذهبيين. ويرى الدكتور طه عبد الرحمن أن أزمة السلفية الإحيائية أبستمولوجية في المقام الأول من خلال افتراضها قدرة وكفاية النظر العقلي المجرد على إدراك المقاصد الحقيقية لنصوص الكتاب والسنة متى التزمنا القواعد العربية وأعراف العرب في التخاطب واستعنا بأقوال وأخبار السلف. فالسلفي الإحيائي الداعي إلى الرجوع إلى النصوص الأصلية يرى أنه بالإمكان أن تتم قراءة النص دون تأويل ولا أدنى تصرف من لدن القارئ، في حين أن هذه الدعوى تخالف طبيعة الخطاب اللغوي، لأن من ينظر في النص اللغوي إنما ينظر وهو حامل دائما لمقومات ذاتية ومقامية ولمكاسب تجريبية ومعرفية متراكمة عبر الأجيال تسبق هذا القارئ إلى النص، وتتدخل في قراءته، فينبغي إذن أن نسلم أن لا وصول إلى النصوص الأصلية على الوجه الذي أنشأها به أصحابها ولا على الوجه الذي أدركه به المعاصرون لهم، أي السلف الصالح، إلا عبر طبقات من التجربة وشبكات من المعرفة متأخرة عن عصر هذه النصوص. ازدهرت السلفية الإحيائية المعاصرة منذ مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، إلا أنها لا تتوافر على أنساق نظرية منضبطة، وكانت قد تقلبت في أطوار مختلفة، ويرى فرانسوا بورغا وأوليفيه روا أن سبب انتشارها يعود إلى الاستراتيجيات الأمنية الخليجية التي عملت على دعمها وتحويلها إلى سلفية محافظة واستثمارها في مواجهة السلفية السياسية والجهادية الصاعدة، وبحسب روا فإنّ هذه السلفية الجديدة تتبنى سياسات تعمل على قرض المجتمع من الداخل وفي العمق قبل أن تلجأ لأي تشكيك في الدولة، وهي أكثر بعدا وعداء للقيم الحداثية الغربية كالديمقراطية والتعددية والحريات من السلفية الإصلاحية، إلا أنها لم تتخلَ عن هدف "استئناف حياة إسلامية وإقامة حكم الله في الأرض"، كما هو مبين في أهدافها التي توضع على أغلفة أدبياتها المطبوعة، ولكن عن طريق اتباع استراتيجية تعمل على أسلمة المجتمع من القاعدة وليس من رأس الهرم الذي تمثله الدولة، كما هو حال السلفيات الإصلاحية والجهادي. ما يميز السلفية الإحيائية الجديدة هو أنها ذات طبيعة إحيائية شعبوية طهورية، تقوم على قناعة مفادها أن إصلاح الأفراد سوف يفضي بالضرورة إلى قيام مجتمع إسلامي، وهي تلتقي في هذا مع جماعة التبليغ، وتتسم طهرانية السلفية الإحيائية برفض وسائل الترفيه والتسلية والموسيقى والفنون المشهدية، وتعمل على إزالة أماكن المتعة واللهو كالمقاهي والسينما، وتدعو إلى العودة إلى ما هو جوهري كالعقيدة والعبادة والخشية. ففي معرض سؤال الشيخ الألباني من قبل أحد أعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر حول المشاركة في الانتخابات أجاب الشيخ بسؤال جوهري: هل جميع من معك يؤمنون بأن الله مستو على عرشه؟ وتشكل مسألة حجاب المرأة أولوية مركزية؛ فمكان المرأة الحقيقي هو البيت بعيدا عن الاختلاط والفساد، ووظيفتها تربية الجيل الناشئ على الإسلام النقي المصفى. والسلفي الإحيائي حريص على التميز من خلال المحافظة على لبس الجلابية والعمة وترك اللحية تنمو كرموز دالة على "مفارقة الكفار" وبدعهم الضالة التي تعمل على طمس الهوية. والخلاصة التي تدعو إليها هذه السلفية هي الرجوع إلى إسلام متخيل دون تحريف أو تأويل، فمركب التخلف والتأخر ناتج عن ضعف الإيمان والجهل بالإسلام، فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف. | |
|