ثقافة الاختلاف
أنا من المؤمنين بأن الصورة – أي صورة – يجب أن ينتظر إليها من عدة زوايا لا من زاوية واحدة. وأنا من المؤمنين أيضا بأنه لا يوجد إنسان واحد –مهما أوتي من علم وإدراك –يستطيع أن يدعى بأنه يمكن الإحاطة بصورة واحدة من كل زواياها . وإذا وجد من يدعى هذا فهو واهم . وإذا جاء من يفرض علينا الصورة من زاوية واحدة فأقل ما يوصف به أنه مجرم.
ومن هنا عظم دور النخبة المثقفة في كل زمان0 وكذا دور صناع الفكر في كل مكان . إذ علي عاتقهم جميعا تقع مسؤولية إكمال زوايا الصورة عند العامة . وعلي عاتقهم تقع مسؤولية إكمال زوايا الصورة عند بعضهم البعض . وكل من يسعى إلى تقديم اكبر قدر من الزوايا الجديدة للصورة الواحدة فهو قوة من قوى المجتمع الإيجابية التي يجب أن تقدر وتجل .
أما المتلقي – أنا وأنت – فما علينا إلا السعي للإلمام بأكبر قدر من الزوايا والرؤى المختلفة للصورة الواحدة0 وحينما يدرك أي منا قصورا أو خللا عند صاحب رؤية أو صاحب فكر ، فكل ما علينا أن نتحلى بالإيجابية و نعرض تصورنا ورؤيتنا لهذه الزاوية القلقة – من وجهة نظرنا – عند الآخر0 وليكن الهدف والقصد من وراء كل ذلك أن نكمل ما عنده من قصور0 أو لنضيف له زاوية غائبة ، أو لنزوده ببعد كان عنه مطموساً 0 على أن يتم كل ذلك في جو من التقدير والاحترام لكل صاحب رأي سواء اتفقنا معه أو اختلفنا
إننا بذلك نعمل على نشر ثقافة الاختلاف في مجتمعاتنا 0 وعلى القاعدة العريضة في المجتمع أن تنمي ثقافة الاختلاف فيما بينهما 0 وعلينا جميعا ألا نصدر أحكاما إعدامية على الزوايا الجديدة ، والرؤى المختلفة ، والآراء المبتكرة 0 بل نربي أنفسنا - ومن حولنا – على ثقافة الاختلاف فيما بيننا 0 وفى الوقت نفسه نربي مجتمعاتنا على أن كل إنسان – مهما كان – يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم 0 وليكن شعارنا : نتفق فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضا ً فيما اختلفنا فيه 0 وقبل كل ذلك نذكر ونتذكر قول العزيز الحكيم :" لا إكراه في الدين 0"
- وهكذا – وبهذه الروح ، وبهذا الفكر تهرب السلبية والتبعية من حياتنا0 و تظلل الإيجابية مجتمعاتنا 0 إيجابية يستفيد منها ويسعد بها المجتمع بأسره0 إيجابية ترقى بنا حتى نصل إلى أقرب درجات الكمال وأفضل درجات التصور للأمور من حولنا 0 وعندها نستطيع أن نصدر أحكامنا على أي من الأمور التي تهم مجتمعاتنا بكل شجاعة وأقدام 0 وبعدها نستطيع أن ندلي بآرائنا , وتصوراتنا, واجتهاداتنا لنغير أو نعدل ، لنبدع أو نطور كل جديد يفيد مجتمعاتنا في ظل ثوابتنا العظيمة و في ظل ثقافة الاختلاف 0