في ذاك المستشفى الذي تتحرك إليه خطواتي سريعة ً متثاقلة
ترقد على سرير ٍ أبيض
نظيف بهي ولكنه جدا ً مزعج لنفسي وراحة بالي
ترقد صغيرتي ذو السبع سنوات
صغيرتي ذات الشعر الأسود المنسدل كالحرير على كتفيها الصغيرين والعيون
ذات
اللون العسلي الصافي
وتلك البشرة النضرة بياضا ً تخللها خدين حمراوين وأنف ٌ
كالسيف في حده
والإصبع في حجمه
دخلت عليها حزينا ً أُظهِر لها الفرحة في كل
ما أملك من حواس إلا العينين
فلما رأت محيا أخيها صرخت صغيرتي ذات اللسان اللدغ
* أخي حبيبي
فانكببت أقبل تلك الوجنات والعينين واليدين كالعاشق الولهان
على صغيرتي
فأخذت بالضحك ، ضحك ٍ طفولي ينعش القلوب قائلة
* أخي متى تكف عن
تقبيلي أخي
قلت
* صغيرتي والله وددت أن أقضي بقية عمري أقبلُ حبيبتي
الصغيرة
قالت
* أخي إني أخجلُ من تقبيلك لي وخاصة إن كان أحدٌ من ( الناث )
حولي
فضحكت وكم كنت اضحك من تلك اللدغة في لسانها لما تضفي عليها من طفولة
وبرائة وجمال
نظرت إليَّ صغيرتي قائلة
* أخي
* صغيرتي ماذا ؟
*
أخي تواترت لديَّ وفيَّ (أثــئلة) عندما غبت عني فأحبُ أن أطرحها عليك
* تفضلي
صغيرتي فكلي لك أذانٌ صاغية
* أخي
* صغيرتي
* متى الإنــثان يكون في
ثــعادة ؟
قلت
* عندما يكون قلبه خاليا ً من هم الدنيا ومشاغلها
قالت
* وكيف يكون ذلك ؟
قلت
* لا يكونُ أبدا ً ، فالدنيا همها أكبر من
سعادتها
قالت
* وما الحل ُ يا أعز َّ حبيب ٍ لي ؟
ترقرقت الدموع في
عيني من قولها ، فقلت
* الصبر على البلوى ، وسؤال ربنا المولى
فقالت بكل
لهفة وعفوية
* أخي ، أخي ، أخي
* ماذا يا صغيرتي ، ما الأمر يا حبيبة أخيك
ومهجة فؤاده ؟
قالت
* هل يبكي الرجال ؟
إستغربت ُ سؤالها ، وصمت مني
اللسان لحظات ، وكأن نفسي أوجست شيئا
فقلت
* صغيرتي ما دعاك لهذا السؤال ؟
قالت
* لا شئ أخي ، ولكنه ثــؤال ورد في ذهني فجأة وأريد الإجابة عليه إذا
ثـمحت
قلت
* لكِ هذا يا صغيرتي ، نعم يبكي الرجال أحيانا ً
قالت
*
كبكاء النــثاء يااخاه ؟
قلت
* لا ، فالنـــثاء أقصد النساء ...........
ضحكت صغيرتي بقوة حتى كاد قلبي أن يقف خوفا ً عليها ، ضحكت صغيرتي
على
أخيها عندما أخطأ
فأخذت تقول وهي تقهقه
* أخي لقد أثــبحتَ مثلي ، تأكلُ
حروف الكلام
فضحكت من قولها ، فبادرت تقول
* أكمل أخي
قلت
* أها ،
حاضر ، نعم يبكي الرجال ولكن ليس كالنساء
فالنسوة في طبعهن الحنوُ والحنان ،
يثير قلبها الحاني أي موقف مؤثر وإن لم
يكن هذا فيها أو في أحد تعرفه
قالت
* إذن متى يبكي الرجال ؟
قلت
* يا حبيبتي ، يبكي الرجال في مواقف شديدة
وخاصة عندما يعجزون عن
التصرف فيها أو لا تكون لديهم حيلة في هذا الأمر أو ذاك
قالت
* متى أرى دمعة الرجل أخي ؟
قلت
* ترينها يا صغيرتي
في
صرخة مقهور ، ونار الغيور ، وعند فقد العزيز ، وفي جبن ٍ لبعض الرجال
عندما
يكون للرصاص أزيز
قالت
* أخي ، ما تـقـثد بالعزيز ؟
قلت
* عندما
يفقد الرجل أحب ما في الكون لفؤاده
قالت
* هل بكيتَ أمي يا أخي ؟
==================
أخيتي يتيمه ، فقد فقدت أمها وهي في السنة الأولى من
عمرها
ولم يكن يرعاها ويداريها احد غيري ...
وسؤال تلك الصغيرة فاجأني وبعد
صمت طويل وترنح فؤادي للذكريات وعيون
صغيرتي ترقب ُ الإجابة َ مني
قلت
* نعم يا حبيبتي ، بكيتُ كالطفل الرضيع على ماما ، بكيتُ كثيرا حتى أحسست
أني سأموت من الحزنْ
قالت
* أخي
قلت
* قولي يا أعظم ما في
حياتي وأمنيتي
قالت
* أخي، أرجوك يا أخي
قلت
* ما الأمر يا غاليتي
قالت
* أخي ، إن فقدتني في يوم من الأيام فلا تبكي يا أخي
صدمت ، بل
صعقت
وبسرعة البرق حملتها من سريرها الى حضني صارخا ً
* لما تقولين ذلك
ياحبيبتي ؟ هل تشعرين بشئ ؟ هل يؤلمك أمرٌ ما ؟
قالت
وإبتسامة ترتسم على
وجهها المزخرف بجواهر الحب والحنان والبرائة
* كم أحبك يا أخي عندما تهتم فيني
بجنون
وأخذت الإبتسامة في الإتساع
ورددت قائلة
* لا تخف يا أخي ،
فوالله ما فيني شئ غير حبٌ أملكه ويتملكني لك يا أخي
قلت
* إذن لما قلتي ما
قلتي ؟
قالت
* أخي إني أثــمعُ ممن حولي من أعمام وأخوال وأثــحاب يقولون
إن أخيك لذو هيبة ورجولة في شكله وفعله
فأحببت أن يكون أخي كما هو مهيبا ً
كما تعود الــناث منه ذلك ، فلا تهتز
ثــورته الرائعة عند الناث
قلت
*
صغيرتي ، لقد والله قتلتني بكلمتك وقد خفت كثيرا
قالت
* أخي عدْني ألا تبكي
يا أخي
صمت لحظات فقالت
* أخي يا أخي عدني أرجوك ، قل لي أنك لن تبكي إن
فقدتني أرجوك قلها
فقلت
* لا عليك سأفعل ما تحبين صغيرتي
قالت
*
عدني أخي
قلت
* إن شاء الله حبيبتي
قالت
* أخي عدْني أخي
قلت
* أعدك يا صغيرتي ولكن لا تعودي لهذا الكلام مرة أخرى
قالت
* أعدك ألا
أتكلم مرة ً أخرى إلا شيئا ً أريد قوله فهل تـثمح لمن دللتها ودلعتها
أن تقوله
قلت
* قولي ما تشائين
قالت
* أخي ، إني أرى أمي أمامي ، تنادي
قائلة
( تعالي يا صغيرتي )
أخي ، ما أجمل أمي وما أحلاها ، أخي أمي تدعوني
يا أخي ، أخي أريد
ماما
أخي أريد ماما ، تلك ماما ، ماما ،
ماااااااااااااماااااااا
صرختُ
* لا ، لا ، لن أتركك تذهبين ، لا يا صغيرتي
، لا تتركي أخيك ، لا ياحبيبتي لا
لا يا حبيبتي لا ، أرجوك ، يا رب يا الله
اختي ، يا رب ليس لي غيرها
يا رب أرجوك يا حبيبي
قالت
أخي وعدتني ألا
تبكي
أخي كم أحبك يا أخي ،
صمتت صغيرتي عن الحديث فجأة ، ولكنها مبتسمة
فهززتها أصرخ
* صغيرتي ، صغيرتي ، أرجوك يا صغيرتي
آآآآآآآآآآه ، يا
ويلي ، ماتت اختي ، ماتت صغيرتي ، ماتت حبيبتي
ماتت اليتيمة
ماتت اليتيمة
ويتمتني
آآآآآآآآآه
أعلم من مرضك الخبيث أنك سوف تموتين ولكن ليس الآن
آآآآآه ٍ يا صغيرتي
فانهمرت الدموع من عيني
وأنا وعيني نتسابق على
إنهمارها ومسحها
لأني وعدت ُ صغيرتي
فوقعت دمعة على خدها الأبيض الشفاف
البرئ
فمسحتُ الدمعة وقلت ُ لأختي الصغيرة
* سامحيني صغيرتي ، لا أستطيع
وقفَ دموعي ، سامحيني حبيبتي
فأخذت تلك الجوهرة الثمينة الى حضني ودموعي تنهمر
بغزارة ولكن بلا صوت
أقول في نفسي
( هنا يبكي الرجال )
هنا يا صغيرتي
هنا يا حبيبتي يبكي الرجال العتاة القاسية قلوبهم أشباه
الجبال
هنا يبكي
الرجال
وداعا ً يا صغيرتي ، وداعا ً يا صغيرتي
وداعا ً الى الأبد
وداعا
ً يا صغيرة َ أخيها
وداعا ً يا مهجة حانيها
وداعا ً يا ثمرة ْ لم أجنيها
وداعا ً
وداعا ً يا برائة الطفولة
وداعا ً يا سؤالي وحلوله
وداعا ً
يا نسبي وأصوله
وداعا ً
سأفتقد تلك البسمات
والجدائل الصغيرة الناعمات
وحروفٌ تحولت لثائات
وداعا ً
وداعا ً وداعُ مودع يودع
وداعا ً يامن
للموت تجرع
وداعا ً صرخة فيها أُسمِع
وداعاً
وداعا ً يا أجمل يتيمه
يا إغنى وأغلى قيمه
يا نظر العين وديمه