الكسب الحلال
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وعلي اله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين واسأل الله تعالي بمنه وكرمه أن يجعلني وإياكم من مَن اتبعوه بإحسان قال الله تعالى (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً) هكذا يقرر الله تعالي هذه الكلية العامة الشاملة العامة الشاملة لكل إنسان أن كل إنسان خلق ضعيفا فهو ضعيف في نشأته فقد خلق الله فقد خلقه الله من طين (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) وهو ضعيف في علمه لا يعلم الغيب وينسى الماضي كثيرا ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) إن الإنسان لا يعلم الغيب لا يعلم الغيب لا في المستقبل ولا في الماضي البعيد ربما ينساه كثيرا حتى في تصرفاته الخاصة يقول الله تبارك وتعالي ( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً) هل أنت تدري ماذا يكون لك في الغد انك لا تدري ربما تعزم علي الأمر ولكن الأمر لا يكون لان الله تعالي هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض إن الإنسان ضعيف في تصوره ضعيف في إدراكه قد يتصور القريب بعيدا والبعيد قريبا والضار نافعا والنافع ضارا (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) إن الإنسان لا يدري عن النتائج التي تكون عن تصرفاته وأعماله ومن اجل هذا ومن اجل هذا أرسل الله الرسل وانزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط فيسيروا علي صراط الله المستقيم وتثبت شرائع الله بين عباد الله فلا يحتاجون إلى تشريعات من عند أنفسهم يسلكون بها مسالك المتاهات في الظلم والجور والنزاع والخلاف ولذلك تجد قوانين، قوانين الخلق الوضعية تجدها متناقضة تجدها مختلفة تجد فيها الظلم احياننا والمحاباة احياننا ذلك لأنها من وضع البشر والبشر ضعيف علي كل حال فجاءت الشرائع شرائع الله عز وجل العالم بمصالح عباده جاءت منظمتا للناس ليس في العبادة فحسب ولكن في العبادة والمعاملة والآداب والأخلاق وكان اكمل تلك الشرائع واشملها وأرعاها لمصالح العباد في كل زمان ومكان هذه الشريعة التي ختم الله بها الشرائع لتكون شريعتا للخلق كافة ومنهج حياته شاملا إلى يوم القيامة وهي الشريعة التي جاء بها محمد رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم محمد خاتم النبيين رسول الله تعالي إلى الخلق أجمعين فجاءت الشريعة الإسلامية جاءت ولله الحمد تنظم للناس العبادات والمعاملات والآداب والأخلاق وهذا أمر يعرفه من صبر من صبر الشريعة الإسلامية وعرف أحوال الخلق وما يصلحهم وما يضرهم ولقد قل قوم عموا أو تعاموا عن الحق حيث زعموا إن الشريعة الإسلامية إنما تنظم للناس العبادات والأخلاق دون جانب المعاملات وتنظيم الحياة فاتبعوا أهوائهم في معاملاتهم واتبعوا القوانين التي وضعها شياطين الخلق ليضل بها الناس عن شريعة الله أفلا يعلم هؤلاء أفلا يعلم هؤلاء الذين عموا أو تعاموا إن في الشريعة الإسلامية إن في الشريعة الإسلامية نصوصا كثيرتا وافية في تنظيم المعاملات في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم بل إن أطول آية في القرآن كانت في المعاملة بين الناس في بيعهم وشراهم الحاضر والمؤجل وبيان وسائل حفظ ذلك من كتابة وأشهاد ورهن وهي التي تسمى آية الدين وإقراؤها إن شئتم في آخر سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوه) الآية أفليس هذا اكبر دليل علي إن الشريعة الإسلامية تنظيم للعبادة وتنظيم للمعاملة ففي العبادات أمر ونهي وفي المعاملات أمر ونهي وفي العبادات ترغيب وترهيب ووعد ووعيد وفي المعاملات كذلك ترغيب وترهيب ووعد ووعيد يقول الله تعالي (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تاوِيلاً) فهذا ترقيب في العدل ويقول جل وعلا (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) وهذا ترهيب من الجور فكما إن علي المؤمن فكما إن علي المؤمن إن يسير في عباداته علي الحدود الشرعية بلا تجاوز ولا تقصير فكذلك يجب عليه أن يسير علي الحدود الشرعية في معاملة الناس من بيع وشراء وتأجير واستجار وارهان وارتهان وبذل واخذ وغير ذلك لان الكل شريعة الله فهو مسئول عن المعاملة بين الناس كما هو مسئول عن عبادة الله واقرءوا قول الله تعالي (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ) واقرءوا قول الله تعالي (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ) فيا عباد الله يا عباد الله يا من تؤمون بالله ورسوله اتقوا الله تعالي واجملوا في الطلب اجملوا في طلب المال أي اطلبوه طلبا جميلا سيروا في طلبه علي هدى ربكم لا علي أهواء أنفسكم (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أن من يمشي علي صراط مستقيم سويا هذا هو الذي علي الهدى وأما من يسير مكبا علي وجهه فانه لن يهتدي وفي الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم (انه قال إن الله قسم بينك أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وان الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب) فمن أعطاه الله الدين فقد احبه اسأل الله أن يجعلني وإياكم من هؤلاء قال في الحديث (ولا والذي نفسه بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه قالوا وما بوائقه يا نبي الله قال قشمه وظلمه ولا يكسب عبد ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق به فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار) فبين النبي صلي الله عليه وسلم في هذا الحديث ما فيه العبرة وقال في آخره (إن الله لا يمحى السيئ بالسيئ ولكن يمحى السيئ بالحسن إن الخبيث لا يمحوا الخبيث) ففي هذا الحديث عبرة لمن كان له قلب لأنه يدل بوضوح علي إن كثرة الدنيا وتنعيم العبد بها ليس علامة علي أن الله يحبه فان الله يعطي فان الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب وهاهم الكفار يتمتعون بما يتمتعون به من الدنيا وهم أعداء الله وموضع سخطه وبغضه ولكن العلامة علي محبة الله للعبد هو الدين الذي يلتزم به العبد شرائع الله في عباداته ومعاملاته وأدبه و أخلاقه فإذا رأيت الرجل ذا دين فان الله يحبه لان الله لا يعطي الدين إلا من يحب كما قال الله تعالي (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وهذا الحديث يدل بوضوح علي إن من كسب مالا علي وجه محرم فهو خاسر مهما ربح لأنه أما أن ينفق هذا المال في حاجاته الدنيوية وأما أن يتصدق به لطلب ثواب الآخرة وأما أن يبقي بعده بدون أنفاق ولا صدقة وقد بين النبي صلي الله عليه وسلم حكم هذه الثلاث بأنه إن أنفقه لم يبارك له فيه وان تصدق به لم يقبل منه وان بقي بعده كان زاده إلى النار هذه أيها الاخوة هذه نتائج من اكتسب المال بطريق محرم أضف إلى ذلك أن قلبه مبتلا بمرض الطمع ويحترق قلبه في طلب المال واسمع إلى قول النبي صلي الله عليه وسلم بل استمع إلى قول النبي صلي الله عليه وسلم الثابت عنه في الصحيحين يقول (أن اكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض قيل يا رسول الله وما بركات الأرض قال زهرة الدنيا ثم قال إن هذا المال خضرة حلوه من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو وان أخذه بغير حقه أو قال ومن لم يأخذه بحقه كان كالذي يأكل ولا يشبع وكان عليه شهيدا يوم القيامة) اخذ المال بحقه أن يكتسبه بطريق مباح واخذ المال بغير حقه أن يأخذه بغير بطريق غير مباح والميزان لكون الطريق مباحا أو غير مباح ليس الهوى النفسي ولا القانون الوضعي وإنما هو كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم فما احله الله ورسوله فهو الحق وما حرمه الله ورسوله فهو غير الحق وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم وبرهنت الوقائع علي صدقه فان الناس يشاهدون من يكتسب المال عن طريق محرم قد ملا قد ملا صدره الطمع واحرق نفسه الشح أيديهم مملوءة من المال لكن قلوبهم خالية منه يقول الناس انهم أغنياء وهم اشد في طلب المال من الفقراء لانهم كما قال النبي صلي الله عليه وسلم كالذي يأكل ولا يشبع أن الناس يشاهدون آكل الربا لا يقلع عنه ولا يفتر في طلبه يشاهدون المتحيلين علي الربا بالعقود الصورية التي لا حقيقة لها وإنما المقصود بها التوصل إلى الربا وقد زينة لهم وقد زين لهم سوء أعمالهم فراءوه حسنا لا يرعون عن التحيل ولا يتوانون في ذلك يشاهدون من يكذب بالسلعة أو في ثمنها يشاهد يشاهدونه منهمكا في عادته السيئة لا يقلع عنها يشاهدونه من يعامل بالغش والتقرير والتمويه عن الناس لا يزال مستمرا في عمله يشاهدونه يأكل الرشوة علي أعماله الملزم بها من قبل الوظيفة فيتوانى فالقيام بعمله حتى يطر الناس إلي بذل الرشوة له يشاهدون هذا مشغوفا بعمله منهمكا فيه يشاهدون من يربحون في المناجشات في المساهمات العقارية في الأراضي أو غيرها لا يتورعون عن الكسب بهذه الطريق المحرمة ترى الواحد منهم يزيد في قطع الأراضي من عن من الأرض التي فيها شركة ولا لغرض في القطعة ولكن من أجل أن يرفع ثمنها ليزيد ربحه الذي هو في الحقيقة خسران يشاهدون من يكتسبون المال عن طريق الميسر إما غانما وإما غارما ولكن وينهمكون في ذلك فكيف يليق بالمؤمن وهو يعلم بهذه العقوبات ويشاهد تلك النتائج السيئة أن يسعى لطلب لكسب المال عن طريق محرم كيف يرضى المسلم أن يخسر أن يخسر دينه من أجل الكسب الظاهري في دنياه كيف يليق به أن يجعل الوسيلة غاية والغاية وسيلة ألم يعلم أن المال وسيلة لقيام الدين والدنيا أن اكتسابه بطريق المحرم هدم للدين والدنيا .اللهم آنا نسألك أن تجعل رزقنا رزقا طيبا تغنينا به عن خلقك ولا تغنينا به عنك يا رب العالمين