[size=21]عائشة الفقيهة العالمة
كانت أفقه الناس وأعلم الناس بالفقه غير العلم فالعلم حفظ والفقه استنباط فقد جمعتبين الأمرين معاً، وأحسن الناس رأياً في العامة أي أنها تعرف أمور الناس ومجريات الحياةوذكر أن مسندعائشة من الأحاديث يبلغ ألفين ومئتين وعشرة أحاديث اتفق البخاري ومسلم منها على مائة وأربعة وسبعين حديثاً ، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين ، وانفرد مسلم بتسعة وستين حديثاً ، ولا يوجد في النساء من هي أكثر رواية لحديث رسول الله من عائشة، لميكن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالعدد الكثير من النساء عبثاً ، وإنما كان ليطلعن على ما لا يطلع عليه المرأة من زوجها في شأن الأمور الدقيقة ، فينقلن هذاالعلم والأحكام الشرعية المتعلقة بأخص خصائص ما بين الرجل وزوجته لنساء الأمة ورجالها على حد سواء .
ولذلك قال الذهبي : " لا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل ولا في النساء مطلقاً إمرأة أعلم منها " .
وقال الزهري : " لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواجه وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل " .
وقال عطاء بن أبي رباح : " كانت عائشة أفقه الناس ، وأعلم الناس ، وأحسن الناس رأي
عائشة رضي الله عنها الزوجة والابنة
وننتقل إلى جانب مهمّ يهمّ الرجال والنساء معاً ، ذلكم هو جانب المعاملة الزوجية التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم - أفضل الخلق أجمعين - وبين عائشة رضي الله عنها ، وهي مَن علمنا فضلها وخصائصها، جملة من الروايات والقصص في معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة تكشف لنا عما ينبغي أن يكون عليه الرجل مع زوجته ، وما ينبغي أن تكون الزوجة عليه مع زوجها .
الموقف الأول :حسن التودد
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مظهراً لكل جوانب الرقة والحنان والمحبة والتودد لعائشة ، ويشهد لذلك ما وردفي الصحيح عن عائشة تقول : " لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على بابحجرتي ، والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد ، وإنه ليسترني بردائه ؛ لكي أنظر الى لعبهم ، يقف من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف فاقدروا قدر الجاريه الحديثة السن الحريصة على اللهو " .
فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم - وهو مَن هو في عظمته - يتودد إلى عائشة ، ويمكّنها من أن ترى بعض ما يدخل السرورلنفسها ويقف لأجلها ، حتى يكون رداء وساتراً لها ، ولا يتحرك حتى تنتهي من فرجتها ومطالعتها ، ومن متعتها وسرورها تلطفاً منه عليه الصلاة والسلام، ومراعاة لهاولسنها ، فما بال الرجال يأنفون عن أقل من هذا بكثير ! بل يستكثرون به على أزواجهم، ويظنون أن في ذلك إذهاباً لهيبتهم ، وأنه لا بد أن يكون الواحد منهم متجهم الوجه، مقطب الجبين ، ينظر بعينه شزرا ، وتتقد عينه جمراً وإن لم يكن كذلك فلا يكونرجلاً.
الموقف الثاني :حسن الهجر
وكذلك من لطائف هذه المعاملة الزوجية ما ورد في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى !
أي أعرف الوقت الذي تكونين فيه غاضبة أو عاتبة علي ، فأولاً ليس هناك من غضاضة ولا جرم ولا كبيرة من الكبائر أنتغضب المرأة على زوجها، لما قد يقع من أسباب الإختلاف المعتادة في حياة الناس ولكن انظروا إلى أدب عائشة وإلى فطنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقالت له : كيف ذلك يا رسول الله ؟ أي كيف تعرف رضاي من غضبي ، فقال : ( إذا كنت راضية عني قلت : لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت : لا ورب إبراهيم ) ، فقالت عائشة رضي الله عنها : أجل والله ما أهجر يا رسول الله إلا اسمك.
الموقف الثالث : قبول الإسترضاء
ومن ذلك أيضاً ما ورد في حديث النعمان بن بشير قال :
[b]" استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم ،فإذا عائشة ترفع صوتها عليه ، فقال : يا ابنة فلانة - وهذه أساليب للعرف عجيبة فيتعاملهم هي ابنته لكن في هذا الفعل لم يكن راضياً عنها فلم يرد أن ينسبها إليه وهي تفعل فعلاً لا يحبه ، فقال : يا ابنة فلانه نسبها الى أمها - ثم قال : ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها ،فقد أراد أبو بكر أن يتوجه لعائشة ليضربها ويعنفها " .
وقد استنبط بعض أهل العلم أنه يجوز لأبي البنت أن يربيها وأن يزجرها بحضرة زوجها ، لكن انظر " فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها " ، مع إن النبي صلى الله عليه وسلم، هو - إذا صح التعبير - المعتدى عليه ، وهي التي رفعت عليه صوتها، ومع ذلك حال بينهاوبينه .
" ثم خرج أبو بكر رضي الله عنه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يترضاها – أي يترضى عائشة ويتلطف معها - ويقول : ألم تريني حلت بين الرجل وبينك - يستشفع بالموقف الدفاعي الذي وقفه صلى الله عليه وسلم - ثم إستأذن أبوبكر مرة أخرى فسمع تضاحكهما - النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها ـ قد أزال النبي صلى الله عليه وسلم بحسن معاملته هذا الأمر الذي كان سبب هذا الغضب ـ فقال أبو بكر : أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما "
ما أجمل هذاالموقف ! وما أرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وما أحسن تأتي عائشة صلى الله عليه وسلم ولينها وانكسارها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ! ومعلوم أن الحياةالزوجية لا تخلو من المكدرات ، ولكن هذه المعاملة هي التي تزيل أسباب الكدر، وإذاكانت هناك مكدرات ؛ فإن هناك مهدئات ومسكنات من هذه
االموقف الرابع : سابقني فسابقته
ومن لطيف أيضاً حسن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث هنا لعله يكون أكثر توجيهاً للأزواج والرجالأكثر منه للنساء كل هذه المواقف تربيه في سيرة عائشة والنبي صلى الله عليه وسلم لكلالجنسين، ففي حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته ما شاء - يعني أكثر من مرة - حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني، فقال: ( يا عائشة هذه بتلك)
الموقف الخامس :يضع فاه على موضع فمها
ومن لطفه صلى اللهعليه وسلم وعظيم محبته لعائشة رضي الله عنها، وهذا حبٌّ فريد منه فهنا يعلمنا انالحب في ظل الشرع أمر لا حرج فيه ؛ فإنه قد قالت عائشة رضي الله عنها : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العظم فأتعرقه - أي تأكل عروق العظم ما بقي من اللحم - ثم يأخذه فيديره حتى يضع فاه على موضع فمي) .
تحبباً وتلطفاً معها وإشعاراً لمنزلتها عنه .
الموقف السادس :يا رب سلط عليّ حية
هنا أيضاً حادثةلطيفة فيما يتعلق فيما بين الزوجات مع أزواجهن .. الرواية عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه فطارت القرعة لعائشة وحفصة معاً وكان إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث ، فقالت حفصة : ألاتركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وأنظر – أي نتبادل تجربين هذا البعير وأناأجرب – فقالت : بلى فركبت ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة و عليه حفصة فسلم عليها ثم سار حتى نزلوا وافتقدته عائشة ، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر وتقول : يا رب ، سلّط عليّ عقرباً أو حية تلدغني ، رسولك ولا أستطيع أن أقولله شيئاً ! " .
يعني تبدي ما كان من ندمها في هذا الشأن
الموقف السابع :يا بنية إنك لمباركة
في مسند الإمام أحمدعن عائشة رضي الله عنها قالت : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذاكنا بتربان بلد بينها وبين المدينة بريد وأميال وهو بلد لا ماء به ، وذلك منالسحر انسلت قلادة من عنقي فوقعت ، فحبس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسهاحتى طلع الفجر، وليس مع القوم ماء فلقيت من أبي مالله به عليم من التعنيف والتأفيف - سقط عقدها فانتظر الرسول يبحث عنه حتى طلع الفجر ولم يتحرك القوم وليس عندهم ماء - ، فأنزل الله الرخصة في التيمم ، فتيمم القوم وصلّوا ، قالت : يقول أبي حين جاءمن الله الرخصه للمسمين : والله ما علمت يا بنيه إنك المباركة ! لما جعل الله للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر .
فهذا مما كان في نزول حكم التيمم ولميكن فرض قبل ذلك، وهذا كان ببركة وبسبب ما حدث لعائشة رضي الله عنها.
الموقف الثامن : يُقبّل وهو صائم
ومن ذلك أيضاً فيمايتعلق بالأحكام الفقهية المنقوله والملتصقه بسيرة عائشة ، عن أبي قيس مولى عمر قال : بعثني عبد الله بن عمر إلى أم سلمة وقال : سلها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل وهو صائم ؟ فإن قالت لا ! فقل : إن عائشة تخبر الناس أنه كان يُقبّلوهو صائـم ! فقالت له أم سلمة لا ! فقال لها ذلك ، فقالت له : لعله أنه لم يكن يتمالك عنها حباً أما إياي فلا !
لأنها كانت رضي الله عنها كبيرة في السن، وهذاحكم أيضاً فقهي فيما يتعلق بهذا .
الموقف التاسع : تنزعي مقلتيك
ومن ذلك أيضاً ما روته بكرة بنت عقبة : أنها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة - أي لباس مزين أو فيه صفرة - فسألتها عن الحناء ؟ فقالت : شجرة طيبة وماء طهور، وسألتها عن الحفاء فقالتلها : إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك فتضعيها له أحسن مما هما فافعلي .
وهذا من أعظم فقه عائشة بالنسبة للنساء تقول إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك أي عينيك فتصنعينها أحسن مما هما عليه فافعلي، وذلك لكي تكون أقرب وأحب الى زوجها.
الى الجزء الثالث بأمر الله[/size][/b]