معظم متاعبنا ومشاكلنا مع بعضنا البعض، فلأن علاقاتنا الإنسانية لم تصل إلى
المستوى أو الدرجة التي تتكسر عندها امواج التنازع والكراهية والحقد والحسد، إلى
آخر قائمة المشاكل المعروفة بين بني البشر. فالعلاقات الإنسانية عادة تقوم على
أسس من الحب والتقدير والاحترام. وحين تتساقط تلك العناصر الأساسية للعلاقات
الإنسانية الناجحة، تبدأ تحل مكانها على الفور عناصر الشقاق والخلاف والتنازع،
وما يترتب عليها من آثار سلبية غير سارة.
من أهم العناصر التي يجب الانتباه إليها في علاقاتنا مع الغير، هي أن كل إنسان منا
يحب ذاته ويقدّرها، ويعمل على إعطائها حقها من التقدير والاحترام، مثلما يحب أن
يجد ذلك أيضا من الآخرين تجاهه. وفي اللحظة التي يقوم أحدنا بانتقاص ذات إنسان
إ ما بقصد أم لا، يتحول ذاك الإنسان إلى مرجل يغلي قابل للانفجار في أي لحظة.
إن جرح الذات مثل تسرب أو خطأ فني يحدث في مفاعل نووي أو ذري. هذا الخطأ
من الممكن أن يؤدي إلى كارثة حقيقية ما لم يتم تدارك الأمر بسرعة فائقة، والقيام
بإصلاح نوعي متقن له..
إن انتقاص ذوات الآخرين من شأنه أن يعمل على بث ونشر روح الانتقام والرد
بالمثل بين الناس، والتي يمكن أن تتطور لتصل إلى مرحلة معقدة تتمثل في إحتمالية
كبيرة أن تتجسد الكراهية تلك على أرض الواقع، فتكون مشروعاً بالنفس قابل
للتطبيق والتطور أيضاً، فيصير هذا المشروع في النفس كجبل من الصلب لا ينصهر
ويتكسر بالسهولة التي يمكن تصورها. إن أسوأ ما يمكن أن يراه أو يسمعه المرء
منا في حياته، هو قيام آخر بانتقاص ذاتنا والتقليل من شأننا لأي سبب وتحت أي
ظرف من الظروف. فالواحد منا في مواقف انتقاص الذات، يتحول إلى كائن آخر
ليس هو ذاته المعروف عنه بين الناس، وإن بدا في الظاهر مؤقتاً عكس ذلك. ففي
الباطن تجد تحولات كبيرة حاصلة، متمثلة في الإعداد السريع غير الواعي لعملية
انتقام سريعة أو إعداد متمهل لمشروع كراهية قابل للتجسيد على أرض الواقع. وقد
تكون السبب في ذلك كلمة أو إشارة أو إيحاء.
إن من يقوم عادة بانتقاص ذوات الآخرين والتقليل من شأنهم ، هو نفسه يعاني من
عقدة النقص ، ومن الشعور بالدونية أمام الآخرين في محيطه أو بيئته التي يعيش أو
يعمل فيها . بل قد تجده نفسه دائم الانتقاص من ذاته والتقليل من شأنه لسبب أو آخر
، فيجد في انتقاص ذوات الآخرين والتقليل من شأنهم أو تجريحهم لسبب أو بدون
سبب ، تنفيساً واشباعاً لرغبات مريضة بداخله ، تتعادل مع كمية الشعور بالدونية
وعقدة النقص فيه .
إن الذي يحترم ذاته ويقدرها ويعمل على الرقي بها ، يكون كذلك مع الناس أيضاً .
وحين يواجه هؤلاء العقلاء أولو الألباب ، بعضاً من هوامش وصغائر الأمور من
بعض الناقصين ، تراهم لا ينفعلون مع ما يصدر من أولئك ، بل يحاولون توجيه
مسار الحدث نفسه ، ويتعاملون مع الموقف بأخلاقيات الرجال وحكمة الكبار ، بدلاً
من التورط والنزول إلى مستويات أولئك الناقصين والرد بالمثل .