إن الله عز وجل عندما أرسل الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الى مكة برسالة التوحيد وهي نبذ كل ما يعبد من دون الله عز وجل والتوحيد يشمل توحيد الربوبية وتوحيد الإلوهية أي أن ليس هناك رب إلا الله عز وجل وليس هناك اله إلا الله عز وجل أيضا والفرق بين التوحيديين كبير جدا جدا حيث كان توحيد الربوبية موجود عند قريش فهم لم ينكروا أن الله خلقهم ولم ينكروا أن الله خلق السموات والأرض وانه هو الذي يدبر أمرها قال تعالى :
(( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)) (العنكبوت:61)
وقال تعالى :
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) (العنكبوت:63)
وقال تعالى :
((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)) (لقمان:25)
وقال تعالى :
((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)) (الزمر:38)
وقال تعالى :
((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)) (الزخرف:9)
وقال تعالى :
((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)) (الزخرف:87)
من الآيات الكريمات يتبن لنا أن قريشا لم تكن تشرك بالله عز وجل في الربوبية لكنها كانت تشرك بالله في الإلوهية والإلوهية معناها أن الولاء والبراء والخوف والرجاء والعبادة بكافة أنوعيها والحاكمية لله عز وجل فمن صرف لغير لله عز وجل من هذه الأمور شيء فليس بمسلم !! فالمسلم لا يكون مسلما إلا أن يوحد الله عز وجل في الربوبية والإلوهية فقريش لم تكن تعد مسلمة ولو أنها كانت تؤمن بربوبية الله عز وجل .والقران الكريم تحدث عن دعوة كل الأنبياء والمرسلين ( عليهم السلام ) كانوا قد دعوا قومهم إلى الإيمان بإلوهية الله عز وجل حيث كانوا من ناحية الإيمان بالربوبية كقريش كما قال الله تعالى :
((لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)) (لأعراف:59)
وقال تعالى :
((وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ)) (لأعراف:65)
وقال تعالى :
((وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (لأعراف:73)
وقال تعالى :
((وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) (لأعراف:85)
وقال تعالى :
((وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ)) (هود:50)
وقال تعالى :
((وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ)) (هود:61)
وقال تعالى :
((وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ)) (هود:84)
يتبن لنا من كلام المرسلين عليهم السلام أنهم عندما دعوا أقوامهم إلى الله عز وجل دعوهم ليؤمنوا بإلوهية الله عز وجل التي كانوا ينكرونها بقولهم جميعا (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) ولم يقولوا ما لكم من ( رب ) غيره.بل وحتى فرعون نفسه عندما أدعى الإلوهية بقوله (ما علمت لكم من إله غيري) لم يكن يريد أن يتوجه الناس إليه بالعبادة وإنما كان يريد الحكم أي أن يحكم بغير ما انزل الله تعالى فعبر عنه القرآن بأنه كان يريد الإلوهية وهذا ذكر الكل ويراد منه الجزء والدليل على ذلك أن فرعون نفسه كان يعبد آلهة من دون الله قال تعالى : ((وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)) (لأعراف:127)
إذا قومه قالوا له متذمرين ومتعجبين في نفس الوقت أتترك موسى يعمل ما يشاء ويتركك وما تعبد .إذا الأنبياء والمرسلين وخاتمهم رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم) جاء بالرسالة التي تدعوا إلى توحيد الربوبية لله عز وتوحيد الإلوهية لله عز وجل وعرض القران الكريم ذلك وقارن بين الربوبية والإلوهية حيث أن القران الكريم ناقش المشركين بأن عرض عليهم مخلوقات الله عز وجل وتدبيره أمور الملكوت فيقول لهم إذا كان الله عز وجل هو الخالق وانتم تقرون بذلك فإذا هو الأحق بان يكون له الأمر والحاكمية
قال تعالى :
(( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ)) (النمل:60)
و قال تعالى : ((أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)) (النمل:61)
و قال تعالى : ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)) (النمل:62)
و قال تعالى : ((أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) (النمل:63)
و قال تعالى : ((أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) (النمل:64)
من الآيات العظيمات والتي ناقش بها القرآن مسألة الحاكمية لله عز وجل فمن كان يريد أن يحكم الأرض فليخلق فأن استطاع أن يخلق فله الحق أن يحكم ولم لم يستطع الخلق فللخالق العظيم حق الحاكمية على ما خلق !!!
قال تعالى :
((إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ))
فما دام الخلق لله فالامر له كذلك وقال تعالى : ((قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً)) (فاطر:40
وقال تعالى : ((قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) (الاحقاف:4 )
مما تقدم نصل الى أن الذي لا يؤمن بأن الحاكمية لله عز وجل فليس له في الاسلام نصيب وان صلى وان صام لان عمود الاسلام هو التوحيد بشقيه
الربوبية والألهية ) فمن نقائض الألوية ان تعتقد ان غير منهج الله عز وجل يناسب حياتك أوأن هناك مهنج هو أصلح من منهج الله عز وجل في الحكم .
قال تعالى :
(( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) (النساء:65
وقبل أن انتقل إلى الفقرة الثانية من الموضوع نخلص من الفقرة الأولى أن كل من لا يؤمن بان الله عز وجل له الحاكمية في الأرض وله الأمر فيها أو انه يعتقد أن غير منهج الله عز وجل يصلح حياته فهو على خطر كبير وكبير جدا على أسلامه .
الفقرة الثانية
إن الإسلام منهج حياة متكامل للفرد والمجتمع وللحاكم والمحكوم على حد سواء ومسألة الحاكمية تنقسم إلى قسمين أثنين:
القسم الأول هو :
الإيمان بان الحكم لله وحده والأمر له وحده وان المسلم بغير هذه المعتقدات لا يعد مسلما وان صلى وان صام .
القسم الثاني :
تطبيق حكم الله عز وجل على الأرض هذا الموضوع يطلب منا كمسلمين أن نوفر الأرضية الصالحة لتطبيق حكم الله عز وجل وقد تكون الأرضية التي نعمل فيها لتوفير الظروف المناسبة عقليا وواقعيا لتطبيق شرع الله عز وجل، هذه الأرضية قد نعيش فيها وهي تحكم بغير ما أنزل الله عز وجل فنضطر إلى أن تكون جزءا من هذا الحكم لأننا لا تستطيع أن تعيش بغير قانون يحمي حقنا وحقوقنا في شتى مجالات الحياة ولو كان هذا القانون وضعي ، وأعود لأقول الاضطرار والاضطرار له في الشريعة أحكام فالمضطر ليس له الحق أن يرضى بما أضطر اله ويسكن إليه ويعتاد عليه بل ويكون جزءا منه، وإنما المضطر يتعامل مع الشيء حتى يصل إلى ما هو شرعي من الأمر
مثال ذلك الذي يواجه الموت ولا يجد إلا لحم الخنزير فإما أن يموت وإما أن يأكل من لحم الخنزير فله الحق أن يأكل من لحم الخنزير بشرطين أن لا يكون عاد ولا باغ فيجب أن يكون غير باغ أي غير محلل هذا الأكل وإنما يبقى يقول هذا الأكل حرام ولا لحد أن يأكله وإنما أنا أأكله مضطرا إلى ذلك ولا عاد أي لا يأكل حتى يشبع بل يأكل ما يقيم به نفسه حتى يصل إلى ما احل الله له من الطيبات فيترك ما حرم عليه ويعود الحكم عليه في التحريم
وهذه المسالة تنطبق على جميع ما نضطر إليه نحن المسلمون فاليوم نحتكم إلى غير شريعة الله عز وجل مضطرين إلى ذلك وليس لنا خيار في ذلك لان الظروف التي تحيط بنا غير مناسبة لطرح فكرة الحكم الإسلامي الآن
فما دامنا مضطرين إلى العيش في حكم غير شريعة الله عز وجل فيجب أن تتوفر فينا شرطين أثنين أولا أن لا نكون باغين في هذا العيش أي أننا غير مستحلين وغير راضين بحكم غير شرعة الله عز وجل وان نأخذ من هذا الحكم ما تقوم به حياتنا ونحفظ به حقوقنا فحسب ، وفيجب أن تقر قلوبنا يقينا صادقا كإيماننا بالله عز وجل أن هذا الحكم الذي نعيش تحته هو غير شرع الله عز وجل وان شريعة الله عز وجل هي الأصلح لنا، أما إذا كنا نعيش تحت هذا الحكم ونحن راضين بهذا الحكم حابين له أو ندعوا إليه فهذا المسألة تعود بنا إلى الفقرة الأولى ونكون حينها على خطر كبير على أصل أيماننا
والأمر الآخر أننا ونحن نعيش تحت هذا الحكم فنبقى نسعى إلى عودة حكم الله عز وجل إلى الأرض بكل ما أوتينا من قوة بأن نبني أرضية لهذا الموضوع بشكل حضاري وإقناعي وقد يدوم هذا الأمر عقودا طوال ومع ذلك فحكمنا حكم المضطرين إلى ذلك
كالذي يضطر وكما ذكرنا إلى أكل لحم الخنزير ولو طال هذا الاضطرار فيجب أن يسعى من هو مضطر جاهدا بكل قوته إلى أن يجد الحلال من الطعام ليترك أكل اللحم الحرام ، أما إذا تقاعس عن البحث عن الحلال من الطعام فيكون حكمه حكم الغير مضر وسيكون عليه هذا الأكل حراما .
ودليل كلمنا هذا هو أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما كان يدعو الناس في مكة المكرمة إلى الأيمان لم يكن يعيش بمكان تحكمه الشريعة بل كان في مكان تحكمه قريش وقريش كانت تحكم بغير ما أنزل الله عز وجل فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) يعيش هو وأصحابه تحت هذا الحكم مضطرا، ولم يطلب من أصحابه أن يقوموا على هذا الحكم بل طلب منهم الصبر حتى تتوفر الأرضية الصالحة لتطبيق شريعة الله عز وجل وكان القران الكريم ينزل عليه في مكة وفيها كثير من الآيات التي تتكلم عن الحاكمية لله عز وجل(
والآيات التي ذكرناها من سورة النمل التي تتحدث عن الحاكمية
هي آيات (مكية ) فكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة الكرام يعيشون تحت حكم غير شريعة الله عز وجل ولكنهم بالوقت نفسه يرون أن الحكم لله عز وجل وحده مقرين بذلك بقلوب مؤمنة أيمانا قاطعا بهذه المسألة، وعندما خرج الرسول (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى الطائف يدعوها إلى الإسلام ولم تقبل منه غطفان ذلك رجع مكسورا ( بأبي هو وأمي وولدي وأهلي ومالي وعرضي ) إلى مكة لم يستطع أن يدخل مكة إلا بجوار المطعم بن عدي وكان المطعم مشركا ولكنه نزل بجواره أي انه نزل بحكم غير شريعة الله عز وجل مضطرا إلى ذلك ، ولكنه (صلى الله عليه وسلم ) عندما أسس نواة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة وعندما هاجر إليها فلم ينزل فيها الى حكم الجاهلية كما كان في مكة بل وفور وصوله بدا بتطبيق شريعة الله عز وجل وكتب المعاهدات مع اليهود وبدا القرآن المدني ينزل تباعا يظهر فيه الأحكام الشرعية التي ستقوم عليها الدولة الأسلامية.
فالناس اليوم يخلطون بين الإيمان أن الحاكمية لله عز وجل وبين تطبيق الحاكمية لله عز وجل على الواقع ويجعلونه أمرا واحدا وهذا أمر خاطئ بل الأمر فيه شقان شق يتعلق بالإيمان أن الحكم لله عز وجل والشق الثاني التأسيس لواقع يصلح أن يقام فيه حكم الله عز وجل وشريعته.
( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:40