عبدالله شعبان عضو مجلس اداره
عدد المساهمات : 4364 نقاط : 12042 التقييم : 4 تاريخ الميلاد : 12/07/1969 تاريخ التسجيل : 21/09/2009 العمر : 55 المزاج : هادىء تعاليق : اللهم من اعتز بك فلن يذل ، ومن اهتدى بك فلن يضل ، ومن استكثر بك فلن يقل ، ومن استقوى بك فلن يضعف ،
ومن استغنى بك فلن يفتقر، ومن استنصر بك فلن يخذل ، ومن استعان بك فلن يغلب ، ومن توكل عليك فلن يخيب ،
ومن جعلك ملاذه فلن يضيع ، ومن اعتصم بك فقد هدى إلى صراط مستقيم،اللهم فكن لنا وليا ونصيرا ، وكن لنا معينا ومجيرا ،
إنك كنت بنا بصيرا
| موضوع: كيف تنجح فى رمضان 2010-08-21, 19:41 | |
| البداية معرفة الغاية غايةُ خلق الإنسان عبادةُ ربِّه، والتي بها تزْكِية نفسه، والسموُّ بِروحه؛ حتَّى يكون سلوكُه نَهج الطريق المستقيم طلبًا لِمرضاة ربِّ العالمين.البداية معرفة الغاية غايةُ خلق الإنسان عبادةُ ربِّه، والتي بها تزْكِية نفسه، والسموُّ بِروحه؛ حتَّى يكون سلوكُه نَهج الطريق المستقيم طلبًا لِمرضاة ربِّ العالمين. وهذه الغاية دونَها جهادُ النفس، بإرادة قويَّة، وجِدّ متواصل، ويلزم لكلّ ذلك طاقة متجدّدة. ومن رحْمة الله تعالى بعبادِه أن جَعَلَ ينابيع هذه الطَّاقة فيما افْتَرَضَ عليْهِم من شرائعَ وتكاليف، والتي منها شهر رمضان، ساحة الخير الرَّحب، وفضاء انطلاقةِ الرُّوح، اجتناءً للثمار الروحيَّة الشهيَّة وانعِتاقًا من شهوات الجسد: الحسِّيَّة، والمعنوية. لذلك يأتي رمضان فرصةً سانحة لتغيير النفس من عادات مستعبدة، وسلوك غير مرضي عنه، عَبْرَ خُطُوات عمليَّة بسيطة يَستطيعُها كلُّ جادٍّ في إسعاد نفسِه. وفي هذه الورقات خطواتٌ مُحدَّدة تساعِدُك على أن تَجعل رمضان الفرصة السانحة بداية لِتغْيِير بعضِ ما تُريدُ تَغييرَه في نفسِك وسُلوكِك. يَستسلِمُ الكثيرون منَّا لِواقِعِهم بِطُرقٍ مُتفاوتة، وبتلقائيَّة يُمارسونَها من حيثُ يَعرفون أو لا يَعرفون، يُدرِكون أو لا يُدْرِكون، ولكن ما يهمُّنا هنا أنَّ هناك لدى كلِّ فردٍ منَّا سلوكيَّاتٍ لا تُعجِبُه، أو تقصيرًا يرغب في القضاء عليه، ولكنَّه ينهزم أمامه لسبب أو لآخر، بل الكثير منا يشعر بالعجز عن تغْيير هذا السلوك أو القضاء على التَّقصير في بعض الأمور، ويتراكَمُ هذا الشُّعور بالعَجْزِ حتَّى يصِلَ أحدُنا إلى حدِّ اليَأْس، ويتوقَّف حتَّى عن التَّفكير في التَّغيير، وتسيطر عليه حالة استسلام تامٍّ حسًّا ومعنى. حقيقة: أيُّ سلوك يُمكنُ تغييرُه.. إذًا: هل لك أن تُحاوِل مرَّة أخرى؟ أخي/ أختي.. أَدعوك أن تُفَكِّر معي جيِّدًا، وبِجِدٍّ وعزيمة أن تُحاوِلَ مرَّة أُخْرى تغييرَ هذا السلوك.. فالمُحاولة مرَّة تِلْوَ أُخْرَى هي الخيار الوحيد أمامي وأمامك.. فلا يُمكنُك أن تتغير بدون مُحاولة؛ إذ لا يوجد حلولٌ سِحْريَّة أو مُفاجآت في تغيير السلوك الإنساني، بل المحاولة هي الحل وهي الممكن.. وكلُّ مُحاولة تفشل تُضيف رصيدًا جديدًا من المعرفة لديك، وليست هباءً منثورًا كما يَعتقد الكثيرون.
هل تعلم: - أنَّ دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - استمرَّتْ 13 عامًا في مكة بدون استجابة ظاهرة، ولكنَّه أصرَّ وأكمل مسيرته لينجح في النهاية. - أنَّ دعوةَ نوح - عليه السَّلام - طالَتْ لِمُدَّة 950 عامًا، ولم يملَّ أو يكل عليه السلام. - أنَّ أديسون قال عندما فشَل آلاف المرَّات في اكتِشاف الكهرباء: "تعلمت آلاف الطرق التي لا تؤدي لاكتشاف المصباح". - أنَّ كلَّ المُخْتَرعين أجرَوُا الكثيرَ من التَّجارب الفاشِلة، والَّتِي قادَتْهُم لِلمحاولة من جديد حتَّى نَجحوا في تَحقيق مُرادِهم.
بشرى: اعلم أن الله يحب منك المحاولة وتكرارها، وعدم اليأس، مهما كانت الظروف، بل لعلَّ الله أن يُثِيبَك على ذلك شيئًا يفوقُ ما يَجلبه لك النجاح المباشر والسريع. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلَّم -: ((والذي نفسي بيده، لو لم تُذْنِبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم))؛ رواه مسلم. واعلم أنَّ الصبر، سواء في محاولة التغيير أو بعد التغيير، له أجر عظيم، وليس لحسابه حد، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
عدم النجاح ليس النهاية اعلم - رحِمني الله وإيَّاك - أن الشيطان يحب أن يزرع في نفسِك اليأس، وهذا من أعظم ما يَفرَح به، فاليأس يُعِيقُك حتَّى عن أمور الإيمان الأُخْرى، ويبرِّرُ لك بينك وبين نفسك أن تتمادى في الخطأ حتَّى يُصْبِح ذلك طبعًا لك. فمثلاً: - رجلٌ لا يُصلِّي تكاسُلاً؛ فيقوده ذلك إلى عدم التحرُّز والامتِناع عن أيِّ معصية أُخْرى، فتبتعد عنه التوبة، ويضعف إيمانه بِشكْلٍ أكْبَر مِن ذي قبل؛ لأنَّ كلَّ معصية تَجُرُّ أختَها، وكلّ طاعة تدفع معصية، والشيطان لك بالمرصاد. - امرأةٌ لا تتستَّر سترًا كافيًا، فيقودُها ذلك إلى تَرْكِ الصلاة؛ لأنَّها ترى أنَّها لم تَستَكْمِل الإيمان، ومِنْ ثَمَّ بدل أن تكون عاصيةً فقَطْ، رُبَّما تكونُ قد وقعت في الكفر. - رجلٌ يتعاطى المخدّرات، ولإحساسِه أنَّه سيِّئٌ لِلغاية يقع في كبائرَ أُخرى، ويترك أركانًا مُهِمَّة من دينه، بل رُبَّما يقع في الكُفْرِ. وشرُّ الشَّيطان هذا لا يُكافِحُه إلا المعرفة بِحُبِّ الله لتوبة العبد. اعلَمْ أنَّك إنْ شَرَعْتَ في التوبة فإنَّ الله يفرَحُ بِك ويُحبُّك، والدليل حديث: ((.. لَلَّهُ أشد فرحًا بتوبة أحدِكم من أحدكم بضالَّته إذا وجدها))؛ رواه مسلم: (2675). عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده، لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم))؛ رواه مسلم (5749) من كتاب: التوبة. إذًا اعلم أنَّك إن عزمتَ الآن على التوبة من فعل منكر أو ترك واجب أنَّ الله يُحبُّك. وعليْكَ بِمُكافحة الشَّيطان بِوَسائلَ كثيرةٍ مِنْ أهَمِّها الإصرار على التَّوبة، والتَّوبة مرَّة أُخْرَى، وثالثة، ورابعة، ولا يَمَلُّ اللهُ حتَّى نَمَلَّ. إذًا هل تسمح لنا أن نساعدك؟ اعرِفْ أنَّ ما ننشده جميعًا من توبةٍ عَنْ باطلٍ أو توبةٍ عَنْ تَرْكِ واجب أمرٌ سهل مُمتنع؛ فالحل بيِّن وسهل: إن كُنتَ لا تُصلِّي فلِمَ لا تُصلِّي.. إن كنت لا تدرك تكبيرة الإحرام حاول أن تدركها.. إن كنت من أهل الفعل المحرم فلم لا تتركه.. وإن كنت مغتابًا بطبعك فتوقف عن ذلك.. لكن الأمور ليستْ بِهذه البساطة، وكثيرًا ما تدور في حلقة مفرغة :
وهذه الحلقة المفرغة تقودنا جميعًا إلى الاستمرار في الفعل الخاطئ، ولها أسباب كثيرة من أهمها: 1 – عدم تخيُّل قدرتنا على التغيير: مثلاً لا يتخيَّل أحدٌ ما قُدْرَتُه على أداء الفجر في جَماعة يوميًّا. 2 – مُحاولة التَّغْيِير الجذري أو القويِّ خلال فترة قصيرة جدًّا: مثلاً محاولة الانتقال من ترك الصلاة إلى قيام الليل فجأة، فيفشل ثم يحبط. 3 – عدم فهم الأفكار الكامنة خلف الإحباط، مثال: الاعتِقاد أن ترك بعض الملهيات المحرمة يحرمك من المتعة، أو أنَّ التَّديُّن ليْس سُلوكًا عاديًّا. 4 – عدم الجدِّيَّة في التَّغيير في البداية، ومن ثَمَّ الشعور بالفشل واليأس، مثال: استِغْلال وقت رمضان لتَرْكِ التَّدخين، ولكن عدم الجدِّيَّة في ذلك ومن ثَمَّ العودة بسهولة للتَّدخين، فيشعر الإنسان بأنَّه لا يُمكِنُه ترك التدخين.
والأسباب والأمثلة كثيرة للغاية ولكن إليك: قواعد مهملة في تغيير النفس 1) ابحث في نيَّتِك واحرِصْ على تَحسينها؛ فإنَّ النّيَّة مفتاح التغيير ومفتاح التوفيق، والعامَّة تقول: (النية مطيَّة)، وحديث النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّما الأعمال بالنِّيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمَنْ كانَتْ هجرته إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسولِه، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه))؛ رواه البخاري ومسلم: 1907 وغيرهم. فالبعض منَّا يتجه إلى تغيير بعض أموره بنية غير خالصة لله، مثل: محاولة إرضاء من حوله أو لأسباب صحية أو عملية أخرى، وربَّما يلجأ لفكرة التغيير استجابة لعموم أفكار الناس، لكن عليك أن تراعي أن تقوم بعملية التغيير لديك فيما يتعلق بأمور الدين من أجل الله جل وعلا فقط لا غير، وأمَّا غيْرُ أمور الدِّين فعليْكَ مُحاولة تَغييرها بسببٍ يَتعلَّق بكَ أنْتَ، وبإرادتِك أنت بعد عون الله، وليس من أجْل الآخرين.
فكرة شَيْطانيَّة مُضادَّة قد يقول الشيطان لك: ها.. إذًا لا يمكن أن تُحاول تغيير نفسك إلا بنية صافية لله.. وهذا شبه مستحيل.. وإذا قمت بذلك فستكون منافقًا.. إذًا اترك هذا الأمر كله، ولا تحاول التغيير حتى لا تصبح منافقًا.
وليخسأ الشيطان؛ فقد سأل الصحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – سؤالاً يشبه هذا فأخبرهم أنَّ الشَّكَّ في النيَّة والوساوس الشيطانيَّة دلالة على صريح الإيمان عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، إني أحدث نفسي بالحديث لأن أخِرَّ من السماء أحبُّ إليَّ من أن أتكلم به، قال: ((ذلك صريح الإيمان))؛ أحمد: 2/ 397، رقم 9145. فكلَّما خاف الإنسانُ من النِّفاق كان عنه أبعد؛ فعليْك أن تُرْغِمَ أنفَ الشَّيْطَان، وأن تُجاهِدَ نفْسَك في التَّغْيِير لِلأفْضَلِ في كلِّ شَيءٍ حتَّى في نيَّتك؛ فالنية تتغير كما يتغير السلوك، فعليك بصيانتها والحرص على صفائها، ودعاء الله جل وعلا أن يجعلها خالصة له وأن يحميك من النفاق، قال الفضيل بن عياض – رحمه الله تعالى -: "ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يُعافيك الله منهما". واعلم أن صلاح النية بِحسب المستطاع – فالكمال لله – وصلاحها أو محاولة إصلاحها سبب في توفيق الله جل وعلا لك مهما طال الطريق وشق وصعب، وفي هذا قال الله جل وعلا عن مَن لم يخرجوا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في أحَد الغزوات: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46]، فهؤلاء لم يكن في باطنهم نيَّة الخروج للجهاد، ومن ثَمَّ أحبط الله هِمَمَهُم أن يَخرجوا؛ لأنَّهم لو خرجوا خرجوا لغير الله جلَّ وعلا، وكانوا ضررًا على المسلمين فلم يوفِّقْهُم الله للخروج. إذًا كلَّما جاهدت أن تكون نيَّتك خالصةً كلَّما وفَّقك الله في تَحقيق التَّغيير المطلوب، وكُنْتَ مُثابًا من الله سبحانه.
2) هل لديْك نيَّة حقيقيَّة جازمة للتغيُّر؟ الكثير منَّا يدَّعي رغْبَتَه في التَّغيُّر، ولكن في حقيقة حاله يفتقر للجدية في هذا الجانب، ولهذا علاج ناجع بإذن الله... ألا وهو الذِّكرى والمعرفة، فإذا كنت ممن تراوده نفسه أن يتغير في بعض شأنه للأفضل مِثْل الاهتِمام بالصلاة، والتحكم باللسان وصيانة الأعراض، غض البصر، إحسان العشرة مع النَّاس، والسَّيطرة على الغضب، إفشاء السلام أو ما شابه ذلك فَلَكَ أن تَفْرَح بذلِك؛ لأنَّها علامةُ خيْرٍ لك، فالهمّ بِخيرٍ والتَّفكير فيه، وإن كان غير كافٍ، لكنَّه يدل على رغبتك في الخير في بواطن نفسك، بل أبشرك أنَّ لهذا التفكير والنية أجرًا بإذن الله، ويدلُّ عليه قول الحبيب – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن مات ولم يغزُ، ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق))؛ رواه مسلم، فحتَّى التَّفكير بالغزْوِ كان سببًا في رفع الحرج وصفة السوء عن الإنسان. فإذا كُنْتَ من هذا الصّنف فعليك أن تعمل على رفع مستوى هذا الهاجس وهذه النية إلى مستوى أقرب للجدية، وهذا يكون بالمعرِفة واستِماع الذكرى، فالذِّكْرى تَنْفَعُ المُؤْمنين، وكلُّ القرآن تذكير، وعليك التَّركيز على أشْرِطة وكُتُب تَجعَلُك تُحِسُّ بالإيجابيَّة نَحو ما تُريد أن تتغيَّر نحوه.. وإليك أمثلة في هذا الشأن: - إذا كُنْتَ تُريد أن تَجعل مستوى إيمانك أكثر فاقرأِ الكُتُب التي تذكِّرُك بِفَضْل الإيمان عمومًا وبأحوال النَّاس في القَبْرِ ويوم القيامة، وسيرة أَقْوِياء الإيمان وما شابه ذلك. - إذا كُنْتَ تُريد أن تُحسن صلاتك أو أن تبدأ في الصلاة فعليك أن تقرأ الكتب التي فيها أجر الصلاة وعظمتها وكافَّة الأمور المتعلِّقة بِالصلاة. - إذا كُنْتَ تُريدُ أن تكون واصلاً رحِمك فعليْكَ قراءة أبْحاث تتعلَّق بذلك والقصص حول ذلك. - إذا كنتَ تُريدُ أن تكون حافِظًا لسانَك فعليك أيضًا بالقِراءة في هذا الشأن وفضل حفظ اللسان وحال الكثيرين معه، وكيف يمكنك ذلك. - إذا كنتَ تُريد أن تتعلَّم كبح الغضب فلا بد أن تقرأ حول هذا الشأن وفضل كظم الغيظ وما جاء فيه من قصص وأخبار، وعن أساليب ذلك وخطواته. تنبيه: الكثير من الناس يقول: مللت من التنظير والتفكير، وأريد حلولاً عملية، وأنا أعتقد أن بداية الحل العملي هو تكوين نيَّة صادقة وإرادة جازمة وهذه لا تَحصُل إلا من خلال معرِفَتك لِما يُحفِّزك على التَّغيير ويدفع هِمَّتك إلى الأعلى. والتَّغيير مَهْما كان شأنه رحلة شاقة؛ لأنَّ العادات تحكم الإنسان فعليك بالزاد الذي يدفعك إلى الصبر والمضي قدمًا.
حرِّضْ نفسَك لبلوغ السمو اجعل حفز النفس هدفًا رئيسًا لك وحديثًا دائمًا بينك وبين نفسك، فحدِّثْها بالسُّمُوّ ومعانيه، وبالأفضل الذي تَسعى إليْه، ولا يَكُنْ تَحريضُ النَّفس مثيرًا للإحباط لديك بل انتقد نفسك بِما يَدفعك إلى الأمام لا بِما يُشْعِرك بالعجز واليأس، وإذا قالت نفسك: لا أستطيع، ناقِشْها حولَ ما استطاعَتْ في أمور وشؤون أخرى، فإنْ قالتْ: لا أستطيع القيام لصلاة الفجر، فقُلْ لَها: وما بالك إن كانت هناك رحلة طائرة أو التزام برحلة بَرٍّ أو ما شابه ذلك استيقظت بدون منبِّه، وإذا قالت: لا أستطيع أن أصلي 8 ركعات بعد العشاء؛ فهو متعب، فقل لها: وما بالك تلْعَبِين وتَمرحين بِما يفوق ذلك من تعب، فالشباب يلعبون الكرة والنساء يقطعن الأسواق.
واعلم أنَّ من وسائل تَحريض النفس تخيل نتائج العمل الذي ترغب الوصول إليه، فتخيل أن تتعلم أن يكون لسانك عفيفًا، وكم سيكون طعم هذا حلوًا على نفسك، وتخيل أنك استطعت الاستمرار على قيام الليل؛ فكم سيعود عليك هذا بنفع عظيم في الدنيا من هدوء وطمأنينة وسعة بال وقوَّة إيمان وفي الآخرة بأجر عظيم ومنازل عالية، بل وبقوة نفسية هائلة في مواجهة يومك وحياتك.
فائدة: النفوس ثلاثة: 1 – نفس مطمئنَّة بالطاعات والإيمان. 2 – نفس لوَّامة تلوم المؤمن على خطئه. 3 – نفس أمارة بالسوء.
فاعمل على أن تحول نفسك الأمَّارة بالسوء إلى نفس لوَّامة تلومك على التفريط، وابذُلْ كلَّ سبب لذلك؛ فإنَّ وراء علوِّ رتبة النفس سعادةً دنيويةً وسعادةً أخرويةً، ثم اعمل على بلوغ مرتبة النفس المطمئنة، وذلك نعيم الدنيا والآخرة، رزقنا الله ذلك أجمعين..!
رفقًا بنفسك: إذا حققت ما سبق فأنشأت داخل نفسك نية صادقة للتغيُّر إلى الأفضل وحرضت نفسك على أن تلين في يدك وتصبر على ذلك فانتقل إلى خطوة:
ماذا تريد؟ وهنا أذكرك أنَّ الكلَّ منَّا مهما كان لديْهِ نقص شديد في أمور كثيرة ونواح متعددة، فإن آفاق التغيير إلى الأفضل واسعة كثيرة ليس لها حد ولا عد.. ولكن أي راغب في تحسين حاله عليه أن يتدرج بشكل معقول؛ فلا هو يدبُّ دبيبًا ويضع أهدافًا بسيطة للغاية لدرجة أنَّ نفسَه تَستهينُ بِها، ولا أن يضع أهدافًا مثالية ويستعجل تحسين حاله.
وهنا أعطيك بعضًا من القواعد المهمة: 1 – لابدَّ أن يكونَ هدفُك مُرْتَبِطًا بالأهمِّ، فمثلاً إذا كُنْتَ مُفَرِّطًا في صلاتِك فاجعل الصلاة والحفاظ عليها الهدفَ الأول، ولا تجعل هدفك أن تتصدَّق أو أن تصل رحمك، فالصلاة هي الأهم بدون شك. وكذلك فيما يتعلق بعلاقاتك فلا تجعل حسن العشرة مع أصدقائك هدفَك الأول وأنت عاقٌّ لوالدَيْك بل برُّ الوالدين هو الأهم. تذكر: لكل منا أسرار داخل نفسه، وبينه وبين ربه؛ فعليك أن تعتني بإصلاح باطنك كإصلاح ظاهرك، وربما يكون تعلم إحسان الظن بالناس والتحول إليه أهم من أن تحفظ حديثًا فقهيًّا، مع العلم أن كل خير تتجه إليه ينفعك في إصلاح أحوال أخرى داخل نفسك. 2 – اعرِف نمطَك وطبيعَتَك: فكلٌّ منَّا له طبيعة مختلفة غير الآخرين، وابحث عن التغيير المناسب لك ولطبعك، فلا تطلُبْ من نفسِك ما يصعب عليها في البداية، بل اجعل الخطوة الأولى أسهل من التي بعدها، فمِن النَّاس من يسهل عليه الصوم، ومنهم من تسهل عليه الصدقة، ومنهم غير ذلك فاعرف نمطك، وابدأ بما يسهل عليك. 3 – كن واقعيًّا، فلا تطلب من نفسك أمرًا يستحيل تطبيقه، فمن يرغب بالصوم يومًا بعد يوم قد يكون هدفه هذا سببًا في فشله أو من يتوقَّع من نفسه خشوعًا كاملاً ويغضب إذا لم يحصل ذلك فهو غير واقعي. 4 – التدرُّج والانطلاق، فالناس بين نقيضين، فهناك من يتوقَّع من نفسه التغيُّر المفاجئ وبشكْلٍ سريع، وهُناك العكس من لا يَضَعُ خطواتٍ للانْطِلاق، وإنَّما يتساهل مع نفسه دومًا وأبدًا بِحُجَّة التدرُّج، وغالب فشل الخلق في هذا الباب؛ فمِنْهُم مَن يُبالِغ في الاندفاع فيصدق عليه قول عبدالله بن عمرو – رضي الله عنه -: "إنَّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تبغِّضوا إلى أنفسكم عبادةَ الله، فإنَّ المنبتَّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى"؛ كتاب الزهد، فمن يحاول أن يركب فرسه لمسافة طويلة بدون توقُّف فإنَّه يفشل بسبب انْهِيار الفرس وربَّما موتها، فلا الفَرس سلمَت، ولا هو قطعَ المسافة، والغاية أن يَحتَرِمَ الإنسان الطبيعة الإنسانيَّة بالتدرُّج في التَّغيير، وهذا يندرِجُ في قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق))؛ رواه أحمد. فائدة: تذكَّر أنَّ هناك أمورًا أساسية ومنهجيَّة يَجب حسمُها بينك وبين نفسك، فمن لا يصلي البتة لا يتدرَّج في الالتزام بالصلاة بل يتحوَّل مُباشرة إلى أداء الصلاة، ولكن يتدرَّج في إجادتِها وتَحسينها فقد يصرُّ على أدائِها ولو في البيت (إن كان رجلاً)، ولو بدون خشوع ولو بدون اهتمام جيد بها كخطوة أساسية للعودة إلى أداء الصلاة؛ فقد رأيت الكثيرين من يعتذر لنفسه أنه لن يخشع، وأن الصلاة إما أن تؤدَّى بشكل ممتاز أو لا تؤدَّى، وهكذا يستدرجهم الشيطان إلى عدم البدء بأي خطوة. 5 – إذا كانت هناك ظروف محيطة تدفَعُك لما تحب أن تتركه أو تصدُّك عما تحب فعله فعليك النظر في كيفية تغيير هذه الظروف؛ لأنَّ جزءًا مهمًّا من عملية التغيير يرتكز على المحفِّزات والمحيطات من حولِك فكثيرٌ مِمَّن يفشلون في تغيير بعض أمورهم يخفقون في تعديل بعض الظروف المحيطة بهم والتي تدفعهم إلى العودة لما يريدون التوقُّف عنه كالسهر مع المدخنين بالنسبة للمدخن، أو معاشرة مَن يَستخفون بالصلاة وأنت تحاول الالتزام بها، أو التساهل في القرب من بعض الفتن رغم ضعفك أمامها. وبعض الظروف لا تقهر فقط بالبعد عنها بل تقهر بتغيير فكرتك عنها فمثلاً بدلاً من أن تشعُر بالخجل إذا رددتَ زميلاً لك يُعطيكَ سيجارة يُمكِنُ أن تشعر بالفخر؛ لأنك ابتدأت رحلة التَّوقُّف عن التدخين، وتقول له: أبشرك، تركتُ التدخين، ومن لا يصلون تفخر أنك تقاومهم ذاهبًا إلى المسجد بدلاً من أن تخجل أنك من المصلين، وهكذا كل تغيير للأفضل. 6 – الرغبة الحقيقية الجادة هي مفتاح وصولك للنتيجة التي تريد، لذلك عليك بالعمل على تقويتها وتعميقها، والتأكُّد من أنك اتَّخذْتَ قرارًا حقيقيًّا للتغيير، فعليك حينما تقطع شوطًا في المفاوضات مع نفسك حولَ الأهداف المرحلية والنهائية أن تعيد فهم موقفك النفسي وأن تبدأ الخطوات الأساسية بقناعة وحَماس للنَّجاح في تَحقيق ما تريد. [right]
وهذه الغاية دونَها جهادُ النفس، بإرادة قويَّة، وجِدّ متواصل، ويلزم لكلّ ذلك طاقة متجدّدة. ومن رحْمة الله تعالى بعبادِه أن جَعَلَ ينابيع هذه الطَّاقة فيما افْتَرَضَ عليْهِم من شرائعَ وتكاليف، والتي منها شهر رمضان، ساحة الخير الرَّحب، وفضاء انطلاقةِ الرُّوح، اجتناءً للثمار الروحيَّة الشهيَّة وانعِتاقًا من شهوات الجسد: الحسِّيَّة، والمعنوية. لذلك يأتي رمضان فرصةً سانحة لتغيير النفس من عادات مستعبدة، وسلوك غير مرضي عنه، عَبْرَ خُطُوات عمليَّة بسيطة يَستطيعُها كلُّ جادٍّ في إسعاد نفسِه. وفي هذه الورقات خطواتٌ مُحدَّدة تساعِدُك على أن تَجعل رمضان الفرصة السانحة بداية لِتغْيِير بعضِ ما تُريدُ تَغييرَه في نفسِك وسُلوكِك. يَستسلِمُ الكثيرون منَّا لِواقِعِهم بِطُرقٍ مُتفاوتة، وبتلقائيَّة يُمارسونَها من حيثُ يَعرفون أو لا يَعرفون، يُدرِكون أو لا يُدْرِكون، ولكن ما يهمُّنا هنا أنَّ هناك لدى كلِّ فردٍ منَّا سلوكيَّاتٍ لا تُعجِبُه، أو تقصيرًا يرغب في القضاء عليه، ولكنَّه ينهزم أمامه لسبب أو لآخر، بل الكثير منا يشعر بالعجز عن تغْيير هذا السلوك أو القضاء على التَّقصير في بعض الأمور، ويتراكَمُ هذا الشُّعور بالعَجْزِ حتَّى يصِلَ أحدُنا إلى حدِّ اليَأْس، ويتوقَّف حتَّى عن التَّفكير في التَّغيير، وتسيطر عليه حالة استسلام تامٍّ حسًّا ومعنى. حقيقة: أيُّ سلوك يُمكنُ تغييرُه.. إذًا: هل لك أن تُحاوِل مرَّة أخرى؟ أخي/ أختي.. أَدعوك أن تُفَكِّر معي جيِّدًا، وبِجِدٍّ وعزيمة أن تُحاوِلَ مرَّة أُخْرى تغييرَ هذا السلوك.. فالمُحاولة مرَّة تِلْوَ أُخْرَى هي الخيار الوحيد أمامي وأمامك.. فلا يُمكنُك أن تتغير بدون مُحاولة؛ إذ لا يوجد حلولٌ سِحْريَّة أو مُفاجآت في تغيير السلوك الإنساني، بل المحاولة هي الحل وهي الممكن.. وكلُّ مُحاولة تفشل تُضيف رصيدًا جديدًا من المعرفة لديك، وليست هباءً منثورًا كما يَعتقد الكثيرون.
هل تعلم: - أنَّ دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - استمرَّتْ 13 عامًا في مكة بدون استجابة ظاهرة، ولكنَّه أصرَّ وأكمل مسيرته لينجح في النهاية. - أنَّ دعوةَ نوح - عليه السَّلام - طالَتْ لِمُدَّة 950 عامًا، ولم يملَّ أو يكل عليه السلام. - أنَّ أديسون قال عندما فشَل آلاف المرَّات في اكتِشاف الكهرباء: "تعلمت آلاف الطرق التي لا تؤدي لاكتشاف المصباح". - أنَّ كلَّ المُخْتَرعين أجرَوُا الكثيرَ من التَّجارب الفاشِلة، والَّتِي قادَتْهُم لِلمحاولة من جديد حتَّى نَجحوا في تَحقيق مُرادِهم.
بشرى: اعلم أن الله يحب منك المحاولة وتكرارها، وعدم اليأس، مهما كانت الظروف، بل لعلَّ الله أن يُثِيبَك على ذلك شيئًا يفوقُ ما يَجلبه لك النجاح المباشر والسريع. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلَّم -: ((والذي نفسي بيده، لو لم تُذْنِبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم))؛ رواه مسلم. واعلم أنَّ الصبر، سواء في محاولة التغيير أو بعد التغيير، له أجر عظيم، وليس لحسابه حد، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
عدم النجاح ليس النهاية اعلم - رحِمني الله وإيَّاك - أن الشيطان يحب أن يزرع في نفسِك اليأس، وهذا من أعظم ما يَفرَح به، فاليأس يُعِيقُك حتَّى عن أمور الإيمان الأُخْرى، ويبرِّرُ لك بينك وبين نفسك أن تتمادى في الخطأ حتَّى يُصْبِح ذلك طبعًا لك. فمثلاً: - رجلٌ لا يُصلِّي تكاسُلاً؛ فيقوده ذلك إلى عدم التحرُّز والامتِناع عن أيِّ معصية أُخْرى، فتبتعد عنه التوبة، ويضعف إيمانه بِشكْلٍ أكْبَر مِن ذي قبل؛ لأنَّ كلَّ معصية تَجُرُّ أختَها، وكلّ طاعة تدفع معصية، والشيطان لك بالمرصاد. - امرأةٌ لا تتستَّر سترًا كافيًا، فيقودُها ذلك إلى تَرْكِ الصلاة؛ لأنَّها ترى أنَّها لم تَستَكْمِل الإيمان، ومِنْ ثَمَّ بدل أن تكون عاصيةً فقَطْ، رُبَّما تكونُ قد وقعت في الكفر. - رجلٌ يتعاطى المخدّرات، ولإحساسِه أنَّه سيِّئٌ لِلغاية يقع في كبائرَ أُخرى، ويترك أركانًا مُهِمَّة من دينه، بل رُبَّما يقع في الكُفْرِ. وشرُّ الشَّيطان هذا لا يُكافِحُه إلا المعرفة بِحُبِّ الله لتوبة العبد. اعلَمْ أنَّك إنْ شَرَعْتَ في التوبة فإنَّ الله يفرَحُ بِك ويُحبُّك، والدليل حديث: ((.. لَلَّهُ أشد فرحًا بتوبة أحدِكم من أحدكم بضالَّته إذا وجدها))؛ رواه مسلم: (2675). عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده، لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم))؛ رواه مسلم (5749) من كتاب: التوبة. إذًا اعلم أنَّك إن عزمتَ الآن على التوبة من فعل منكر أو ترك واجب أنَّ الله يُحبُّك. وعليْكَ بِمُكافحة الشَّيطان بِوَسائلَ كثيرةٍ مِنْ أهَمِّها الإصرار على التَّوبة، والتَّوبة مرَّة أُخْرَى، وثالثة، ورابعة، ولا يَمَلُّ اللهُ حتَّى نَمَلَّ. إذًا هل تسمح لنا أن نساعدك؟ اعرِفْ أنَّ ما ننشده جميعًا من توبةٍ عَنْ باطلٍ أو توبةٍ عَنْ تَرْكِ واجب أمرٌ سهل مُمتنع؛ فالحل بيِّن وسهل: إن كُنتَ لا تُصلِّي فلِمَ لا تُصلِّي.. إن كنت لا تدرك تكبيرة الإحرام حاول أن تدركها.. إن كنت من أهل الفعل المحرم فلم لا تتركه.. وإن كنت مغتابًا بطبعك فتوقف عن ذلك.. لكن الأمور ليستْ بِهذه البساطة، وكثيرًا ما تدور في حلقة مفرغة :
وهذه الحلقة المفرغة تقودنا جميعًا إلى الاستمرار في الفعل الخاطئ، ولها أسباب كثيرة من أهمها: 1 – عدم تخيُّل قدرتنا على التغيير: مثلاً لا يتخيَّل أحدٌ ما قُدْرَتُه على أداء الفجر في جَماعة يوميًّا. 2 – مُحاولة التَّغْيِير الجذري أو القويِّ خلال فترة قصيرة جدًّا: مثلاً محاولة الانتقال من ترك الصلاة إلى قيام الليل فجأة، فيفشل ثم يحبط. 3 – عدم فهم الأفكار الكامنة خلف الإحباط، مثال: الاعتِقاد أن ترك بعض الملهيات المحرمة يحرمك من المتعة، أو أنَّ التَّديُّن ليْس سُلوكًا عاديًّا. 4 – عدم الجدِّيَّة في التَّغيير في البداية، ومن ثَمَّ الشعور بالفشل واليأس، مثال: استِغْلال وقت رمضان لتَرْكِ التَّدخين، ولكن عدم الجدِّيَّة في ذلك ومن ثَمَّ العودة بسهولة للتَّدخين، فيشعر الإنسان بأنَّه لا يُمكِنُه ترك التدخين.
والأسباب والأمثلة كثيرة للغاية ولكن إليك: قواعد مهملة في تغيير النفس 1) ابحث في نيَّتِك واحرِصْ على تَحسينها؛ فإنَّ النّيَّة مفتاح التغيير ومفتاح التوفيق، والعامَّة تقول: (النية مطيَّة)، وحديث النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّما الأعمال بالنِّيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمَنْ كانَتْ هجرته إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسولِه، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه))؛ رواه البخاري ومسلم: 1907 وغيرهم. فالبعض منَّا يتجه إلى تغيير بعض أموره بنية غير خالصة لله، مثل: محاولة إرضاء من حوله أو لأسباب صحية أو عملية أخرى، وربَّما يلجأ لفكرة التغيير استجابة لعموم أفكار الناس، لكن عليك أن تراعي أن تقوم بعملية التغيير لديك فيما يتعلق بأمور الدين من أجل الله جل وعلا فقط لا غير، وأمَّا غيْرُ أمور الدِّين فعليْكَ مُحاولة تَغييرها بسببٍ يَتعلَّق بكَ أنْتَ، وبإرادتِك أنت بعد عون الله، وليس من أجْل الآخرين.
فكرة شَيْطانيَّة مُضادَّة قد يقول الشيطان لك: ها.. إذًا لا يمكن أن تُحاول تغيير نفسك إلا بنية صافية لله.. وهذا شبه مستحيل.. وإذا قمت بذلك فستكون منافقًا.. إذًا اترك هذا الأمر كله، ولا تحاول التغيير حتى لا تصبح منافقًا.
وليخسأ الشيطان؛ فقد سأل الصحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – سؤالاً يشبه هذا فأخبرهم أنَّ الشَّكَّ في النيَّة والوساوس الشيطانيَّة دلالة على صريح الإيمان عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، إني أحدث نفسي بالحديث لأن أخِرَّ من السماء أحبُّ إليَّ من أن أتكلم به، قال: ((ذلك صريح الإيمان))؛ أحمد: 2/ 397، رقم 9145. فكلَّما خاف الإنسانُ من النِّفاق كان عنه أبعد؛ فعليْك أن تُرْغِمَ أنفَ الشَّيْطَان، وأن تُجاهِدَ نفْسَك في التَّغْيِير لِلأفْضَلِ في كلِّ شَيءٍ حتَّى في نيَّتك؛ فالنية تتغير كما يتغير السلوك، فعليك بصيانتها والحرص على صفائها، ودعاء الله جل وعلا أن يجعلها خالصة له وأن يحميك من النفاق، قال الفضيل بن عياض – رحمه الله تعالى -: "ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يُعافيك الله منهما". واعلم أن صلاح النية بِحسب المستطاع – فالكمال لله – وصلاحها أو محاولة إصلاحها سبب في توفيق الله جل وعلا لك مهما طال الطريق وشق وصعب، وفي هذا قال الله جل وعلا عن مَن لم يخرجوا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في أحَد الغزوات: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46]، فهؤلاء لم يكن في باطنهم نيَّة الخروج للجهاد، ومن ثَمَّ أحبط الله هِمَمَهُم أن يَخرجوا؛ لأنَّهم لو خرجوا خرجوا لغير الله جلَّ وعلا، وكانوا ضررًا على المسلمين فلم يوفِّقْهُم الله للخروج. إذًا كلَّما جاهدت أن تكون نيَّتك خالصةً كلَّما وفَّقك الله في تَحقيق التَّغيير المطلوب، وكُنْتَ مُثابًا من الله سبحانه.
2) هل لديْك نيَّة حقيقيَّة جازمة للتغيُّر؟ الكثير منَّا يدَّعي رغْبَتَه في التَّغيُّر، ولكن في حقيقة حاله يفتقر للجدية في هذا الجانب، ولهذا علاج ناجع بإذن الله... ألا وهو الذِّكرى والمعرفة، فإذا كنت ممن تراوده نفسه أن يتغير في بعض شأنه للأفضل مِثْل الاهتِمام بالصلاة، والتحكم باللسان وصيانة الأعراض، غض البصر، إحسان العشرة مع النَّاس، والسَّيطرة على الغضب، إفشاء السلام أو ما شابه ذلك فَلَكَ أن تَفْرَح بذلِك؛ لأنَّها علامةُ خيْرٍ لك، فالهمّ بِخيرٍ والتَّفكير فيه، وإن كان غير كافٍ، لكنَّه يدل على رغبتك في الخير في بواطن نفسك، بل أبشرك أنَّ لهذا التفكير والنية أجرًا بإذن الله، ويدلُّ عليه قول الحبيب – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن مات ولم يغزُ، ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق))؛ رواه مسلم، فحتَّى التَّفكير بالغزْوِ كان سببًا في رفع الحرج وصفة السوء عن الإنسان. فإذا كُنْتَ من هذا الصّنف فعليك أن تعمل على رفع مستوى هذا الهاجس وهذه النية إلى مستوى أقرب للجدية، وهذا يكون بالمعرِفة واستِماع الذكرى، فالذِّكْرى تَنْفَعُ المُؤْمنين، وكلُّ القرآن تذكير، وعليك التَّركيز على أشْرِطة وكُتُب تَجعَلُك تُحِسُّ بالإيجابيَّة نَحو ما تُريد أن تتغيَّر نحوه.. وإليك أمثلة في هذا الشأن: - إذا كُنْتَ تُريد أن تَجعل مستوى إيمانك أكثر فاقرأِ الكُتُب التي تذكِّرُك بِفَضْل الإيمان عمومًا وبأحوال النَّاس في القَبْرِ ويوم القيامة، وسيرة أَقْوِياء الإيمان وما شابه ذلك. - إذا كُنْتَ تُريد أن تُحسن صلاتك أو أن تبدأ في الصلاة فعليك أن تقرأ الكتب التي فيها أجر الصلاة وعظمتها وكافَّة الأمور المتعلِّقة بِالصلاة. - إذا كُنْتَ تُريدُ أن تكون واصلاً رحِمك فعليْكَ قراءة أبْحاث تتعلَّق بذلك والقصص حول ذلك. - إذا كنتَ تُريدُ أن تكون حافِظًا لسانَك فعليك أيضًا بالقِراءة في هذا الشأن وفضل حفظ اللسان وحال الكثيرين معه، وكيف يمكنك ذلك. - إذا كنتَ تُريد أن تتعلَّم كبح الغضب فلا بد أن تقرأ حول هذا الشأن وفضل كظم الغيظ وما جاء فيه من قصص وأخبار، وعن أساليب ذلك وخطواته. تنبيه: الكثير من الناس يقول: مللت من التنظير والتفكير، وأريد حلولاً عملية، وأنا أعتقد أن بداية الحل العملي هو تكوين نيَّة صادقة وإرادة جازمة وهذه لا تَحصُل إلا من خلال معرِفَتك لِما يُحفِّزك على التَّغيير ويدفع هِمَّتك إلى الأعلى. والتَّغيير مَهْما كان شأنه رحلة شاقة؛ لأنَّ العادات تحكم الإنسان فعليك بالزاد الذي يدفعك إلى الصبر والمضي قدمًا.
حرِّضْ نفسَك لبلوغ السمو اجعل حفز النفس هدفًا رئيسًا لك وحديثًا دائمًا بينك وبين نفسك، فحدِّثْها بالسُّمُوّ ومعانيه، وبالأفضل الذي تَسعى إليْه، ولا يَكُنْ تَحريضُ النَّفس مثيرًا للإحباط لديك بل انتقد نفسك بِما يَدفعك إلى الأمام لا بِما يُشْعِرك بالعجز واليأس، وإذا قالت نفسك: لا أستطيع، ناقِشْها حولَ ما استطاعَتْ في أمور وشؤون أخرى، فإنْ قالتْ: لا أستطيع القيام لصلاة الفجر، فقُلْ لَها: وما بالك إن كانت هناك رحلة طائرة أو التزام برحلة بَرٍّ أو ما شابه ذلك استيقظت بدون منبِّه، وإذا قالت: لا أستطيع أن أصلي 8 ركعات بعد العشاء؛ فهو متعب، فقل لها: وما بالك تلْعَبِين وتَمرحين بِما يفوق ذلك من تعب، فالشباب يلعبون الكرة والنساء يقطعن الأسواق.
واعلم أنَّ من وسائل تَحريض النفس تخيل نتائج العمل الذي ترغب الوصول إليه، فتخيل أن تتعلم أن يكون لسانك عفيفًا، وكم سيكون طعم هذا حلوًا على نفسك، وتخيل أنك استطعت الاستمرار على قيام الليل؛ فكم سيعود عليك هذا بنفع عظيم في الدنيا من هدوء وطمأنينة وسعة بال وقوَّة إيمان وفي الآخرة بأجر عظيم ومنازل عالية، بل وبقوة نفسية هائلة في مواجهة يومك وحياتك.
فائدة: النفوس ثلاثة: 1 – نفس مطمئنَّة بالطاعات والإيمان. 2 – نفس لوَّامة تلوم المؤمن على خطئه. 3 – نفس أمارة بالسوء.
فاعمل على أن تحول نفسك الأمَّارة بالسوء إلى نفس لوَّامة تلومك على التفريط، وابذُلْ كلَّ سبب لذلك؛ فإنَّ وراء علوِّ رتبة النفس سعادةً دنيويةً وسعادةً أخرويةً، ثم اعمل على بلوغ مرتبة النفس المطمئنة، وذلك نعيم الدنيا والآخرة، رزقنا الله ذلك أجمعين..! | |
|