الشباب و القدوة
هل يمكن للإنسان أن يحيا من دون قدوة ؟ هل هي غريزة أم حاجة ملحة يسعى المرء للحصول عليها ، و في زمان صار العالم فيه كالقرية الواحدة قد تتلاشى هوية القدوة فتخضع للعقل تارة ، و تارة للحب والإعجاب ، قد يتدخل الدين و المعتقد عند اختيار القدوة ، و قد يتخلى المرء عن هذا القيد ، و بخاصة الشباب ، يدعم اختياره هنا أن الحكمة ضالة المؤمن ، و بخاصة في زمان احتلت فيه نماذج خاوية الوفاض من أي معتقد مقام الصدارة ، على صعيد الإعلام أو الرياضة أو الفن أو السياسة ...، بحسب أولويات الشباب عند اختيارهم ، حتى على صعيد الدين ، ما عاد العلم الشرعي وحده هو مقياس الاختيار الأوحد عند الشباب و الفتيات ، فثمة عوامل أخرى تزاحم مثل حسن السمت و المظهر و الثقافة و سعة الأفق و الإلمام بفقه الواقع ، عصرية الطرح و التجديد في الأسلوب.
هكذا تتغير العوامل التي تتحكم عند اختيار القدوات بتغير الزمان و المكان و الأولويات و المعتقدات ، على مستوى الأفراد ، و هنا يبرز سؤال ، هل يجوز للشاب المسلم ، مع اقتدائه بالرسول صلى الله عليه و سلم " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيراً " ، أن يتخذ قدوة في مجالٍ آخر بالنظر إلى أن القدوة أمر نسبي ؟
على مستوى الأمم ، و رغم أن قضية القدوة محسومة في القرآن الكريم لهذه الأمة لقوله تعالى " و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون " ، " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله " حيث مثلث القدوة يتكون من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و هذان ضلعان متساويان ينتظمهما "العدل" كقيمة مشتركة بين الأمم جميعاً ، و قد يضمن تصدر الأمة التي تتمسك به لمقام الصدارة زمناً طويلاً ، و لكن ضلع التميز لهذه الأمة هو الإيمان بالله و ذلك لضمان بقائها في مقام القدوة إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، إذ حتماً ستحتاجه الأمم الأخرى في لحظة يعصف بها الخواء الروحي بعيداً عن هذه المكانة .
في زمان تخلت فيه أمتنا عن مقام القدوة ، كيف يمكن للشباب اختيار قدواتهم ، و ما السبل لتقديم نماذج من داخل امتنا ليقتدي بها شبابنا ، هل هذه النماذج موجودة حقاً و لكن الإعلام لا يبرزها و لا يسلط الأضواء عليها ، و في ذات الوقت ما أهم التوصيات العملية الواقعية و الغير مفرطة في المثالية و التي يمكن تقديمها للشباب ليكونوا هم بدورهم قدوة في مجتمعاتهم .
شارك برأيك