أبو الرجال مشرف القسم الاعلامى
عدد المساهمات : 213 نقاط : 5997 التقييم : 0 تاريخ الميلاد : 20/10/1972 تاريخ التسجيل : 03/11/2009 العمر : 52 المزاج : مؤمن بالله تعاليق : ما كان يومئذ دين فهو اليوم دين ومالم يكون يومئذ دين فليس اليوم بدين
اذا لم تكن سلفيا فتشبه بهم فإن التشبه بالكرام فلاح
| موضوع: مسىء فى صلاته محسن بقية حياته 2012-03-17, 06:14 | |
| الزمان : أفضل الأزمان. المكان : مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحدث : رجل دخل المسجد ليصلي ركعتين. النتيجة : مشهد تاريخي..!!
وإليكم الأحداث بالتفصيل
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم
دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم
فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقال: (( ارجع فصل، فإنك لم تصل )) فرجع الرجل فصلى كما كان صلى، ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم (( وعليك السلام ))
ثم قال (( ارجع فصل، فإنك لم تصل ))، حتى فعل ذلك ثلاث مرات
فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أُحسن غير هذا، علمني فقال - صلى الله عليه وسلم (( إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها )). [ متفق عليه واللفظ لمسلم 397 والبخاري 793
الفوائد والتحليل
نعم سُمّي في السنة و عند أهل الأثر بالمسيء في صلاته ولكنه محسن في بقية حياته
فوالله لو أن الأمة تشبهت بهذا الصحابي الجليل - رضي الله عنه وأرضاه - لما بقي في الأمة جاهل، فسبحان الله ما أجمله !! وما أروعه !! فلو تحدثنا عن مكارم الأخلاق متزينة متجملة في أجمل وأكمل هيئاتها لذكرناه في موقفه الذي بين أيدينا هذا
في موقفه هذا الذي سارت به الركبان وأنشده الحادي في كل وادٍ ونادٍ، لذلك ندخل معه في موقفه الخالد، ونغوص في أعماق هذا المشهد بتحليل يليق بمنزلة المعلم - صلى الله عليه وسلم - وبمنزلة المتعلم - رضي الله عنه وأرضاه
أولًا: المحبة
نعم المحبة في أبهى صورها متجسدة في خُلق لا في كلام وأشعار، فالمتأمل والمتفحص يعلم أنه لا يتحمل ما حدث إلا محب، ولا يحرص على الاتباع بهذه الصورة إلا طالب قرب، وكيف لا وقد سمع شعار القوم وديدنهم {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } [٣١ : آل عمران ]
فالرجل حريص على القرب منه - صلى الله عليه وسلم - والتعلم منه وها هو أول ما انتهى من صلاته ذهب مسرعًا حريصًا والشوق يملأ قلبه لرؤيته والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -، وقد أُجمل من غير تفصيل حين قيل في تعريف المحبة ( الميل الدائم بالقلب الهائم )
وحدث ولا حرج عن هذا الميل وتكلم بلا خجل عن هذا القلب الممتلئ بالأمل، ثم بعد ذلك يقول لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في منتهى الاختصار دون تفصيل بعد أن رد السلام: (( ارجع فصل ))، وتأمل الصدمة: (( فإنك لم تصل ))
وادخل معه في ذهنه: دعك من هاتين الركعتين ماذا عن صلاتي الماضية ؟ ولكنه لم يتفوه بكلمة ويتبع وينفذ فقط، وكرر الجملة له ثلاث مرات، والرجل في كل مرة يزداد قربًا وودًا وحرصًا على محبته واتباعه - صلى الله عليه وسلم
ثانيًا : الصدق قال تعالى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ }
فالرجل صادق والصدق أساس الإيمان، ولكن لابد له من برهان فجاء الاختبار على الهواء مباشرة أمام كل من في المسجد بل أمام العالمين إلى يوم القيامة وليس مرة واحدة ولا اثنتين بل ثلاث مرات.
كان من الممكن في كل مرة أن يسأله ويقول له: يا رسول الله ما الخطأ في صلاتي ؟ صحح لي ! وأن يكتفي بالأولى أو بالثانية ثم يخرج من المسجد وكأن شيئا لم يكن
ولكن الصَدِيق حريص على حسن الختام للطريق، كما قال الجنيد - رحمه الله - : ( الصدق أن تصدق في مواطن لا ينجيك منها إلا الكذب ). [ المدارج: 355]
ورقة الامتحان تقدم ثلاث مرات والسؤال صعب ، والإجابة متوفرة عند كل من في المسجد ، كان من الممكن أن يسأل وليس فيه عيب أو يستفسر وليس في أمره ريب، ما أكرمه !! ما أصدقه !! بماذا وسوس الشيطان له في صلاته ؟؟
ألم ينظر إلى من حوله !! ألم يهتم بتعليق الناس !! بنظراتهم إليه !!، ولكن الصادق حقيقة هو الذي انجذبت قوى روحه كلها إلى إرادة الله وطلبه والسير إلى الله والاستعداد إلى لقائه ومن يكون هذا حاله لا يحتمل سببًا يدعوه إلى نقض عهده مع الله بوجه.
ثالثًا: الرضا بأقدار الله والرضا بالإمكانات يقول ابن القيم - رحمه الله - : ( السائر يرتقي حتى يؤثر رضا الله على رضا غيره، وإن عظمت فيه المحن وثقلت فيه المؤن وضعف عن الطول والبدن ). [ المدارج: 36 ]
فالرجل لم يصل معه الفريضة - صلى الله عليه وسلم - وكان من الممكن أن يدافع عن نفسه أو يحفظ ماء وجهه كما يقولون، فيقول على سبيل المثال: هذا نفل ولكن ما أدراك بصلاتي في الفريضة يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
وكان من الممكن أن يتزين ويتجمل في الثانية والثالثة، أو يستتر خلف أي سارية ولكنه راضٍ والرضا يملأ قلبه وجوارحه، فخيره له ما اختاره الله له.
فالراضي يرزقه الله جل وعلا بعينين في قلبه غير اللتين في رأسه، فبالتي في رأسه يرى أفعال الخلق وبالتي في قلبه يرى مراد الحق - جل وعلا -، فالرجل راضٍ بما وهبه الله من إمكانات وملكات، لذا القناعة بحاله واضحة في أفعاله، فهو يريد أن يتعلم ويتغير، والله لن يسأله عن شيء لم يعطه له، والله يسأل بقدر ما يعطي لذا نجح في الاختبار - رضي الله عنه -.
رابعًا: الأدب (مهمممم ) وما الأدب إلا كما يقول ابن القيم رحمه الله ينقسم إلى ثلاثة أنواع: أدب من الله - سبحانه وتعالى -، وأدب مع رسوله - صلى الله عليه وسلم - ،وأدب مع خلقه، ونصف التوحيد والأدب متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتسليم له والانقياد لأمره والتصديق دون أن يحمله معارضة خيال باطل يسميه معقولًا
أو تحمله شبهة أو شكًا أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات آرائهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما وحد المرسل - جل وعلا - بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل. [ المدارج:403 ]
ويقول ابن القيم - رحمه الله- : وقد خاطبت يومًا بعض أكابر هؤلاء فقلت له: سألتك بالله لو قُدّر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي بين أظهرنا وقد واجهنا بكلامه وخطابه أكان فرضًا علينا أن نتبعه من غير أن نعرضه على رأي غيره وكلامه ومذهبه ؟
أم لا نتبعه حتى نعرض ما سمعنا منه على آراء الناس وعقولهم ؟، فقال: بل كان الغرض المبادرة إلى الامتثال من غير التفات إلى ما سواه، فقلت له: فما الذي نسخ هذا الغرض عنا ؟ وبأي شيء نُسخ ؟، فوضع إصبعه على فيه وبقي باهتًا متحيرًا وما نطق بكلمة !!.
وأقتنص الفكرة العبقرية من شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله وأوجه الكلام لي ولك
ماذا لو كنا مكانه رضي الله عنه وأرضاه ؟ ماذا لو تعرضنا لنفس اختباره ؟ وتأمل معي أن كل ركعتين أخذا من الوقت4 دقائق، ودقيقة في ذهابه وعودته لكان المجموع 15 دقيقة لم يتغير فيها أدبه .. بل زاد والدليل في نهاية هذا المشهد التاريخي والذي بعثك بالحق لا أحسن غيرها، علمني، ماذا لو كنا مكانه ؟ ماذا سيكون رد الفعل ؟ أو حتى الشعور الداخلي ؟ نتأمل قليلًا ثم نجيب
يقول الحسن البصري - رحمه الله - بعدما سُئل عن أنفع الأدب فقال: التفقه في الدين والزهد في الدنيا والمعرفة بما لله عليك، سبحان الله وقد كان - رضي الله عنه - الأنموذج الأعلى في الأولى والثالثة.
خامسًا: التواضع والانكسار تأمل والذي بعثك بالحق لا أحسن غيرها علمني، سُئل الفضيل - رحمه الله - عن التواضع فقال: ( يخضع للحق وينقاد له ويقبله ممن قال )، وتأمل وكأننا نَصِفُه - رضي الله عنه - في تواضع حاله وانكسار مقاله والألفاظ خير دليل، وكان من الممكن أن يسلم من صلاته ثم ينصرف لكنه لم ينصرف إلا بدابة توصله إلى الطريق الصحيح، دابة العلم: " علمني ".
سادسًا: المبادرة والحرص والرغبة على التعلم وتحمل المسؤولية \ والأمر فيها جلي فقد ثبت على مبدئه ولم يتزحزح، وهو الذي بادر بطلب التعلم فالرغبة كانت تملأ دمه وعروقه وجاءت الفرصة فاقتنصها.
سابعًا: الصبر موسى عليه السلام قال له الخضر - عليه السلام - : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا }، فلا يوجد تعلم من غير صبر، فالصحابي الجليل صبر على التعليمات وقام بها بحذافيرها ولم يتفوه ببنت شفة حتى جنى الثمرة، فمن رآه في موقفه هذا قال عنه: { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا }.
إشارات قبل الختام موقف الصحابة رضوان الله عليهم --> لم يتدخل أحد لإفساد المشهد النبوي للتعليم ولم يعترض أحد طريق الرجل ولكن تركوه للرؤوف الرحيم - صلى الله عليه وسلم - حتى يكتمل المشهد النبوي في أبهى صوره وهذا المشهد ينطبق أيضًا على ما حدث مع ماعز والغامدية أيضاً فرضوان الله عليهم أجمعين.
- النبي - صلى الله عليه وسلم - --> رغم كثرة انشغالاته ومسؤولياته العامة والشخصية وانشغاله بتعليم جميع الخلق
إلا أنه انتبه لهذا الرجل، زاد النسائي في رواية (( وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمقه في صلاته )) وفي رواية ابن أبي شيبة (( يرمقه ونحن لا نشعر )) تأمل حلمه وبراعته في التعليم - صلى الله عليه وسلم - يعطي لهذا الرجل - رضي الله عنه - أكثر من خمس عشرة دقيقة ليعلمه ويفهمه - صلى الله عليه وسلم -.
الرجل - رضي الله عنه - مسيء في صلاته ولكنه محسن في بقية حياته كيف نجمع بين ما تعلمناه منه ومع ذلك عدم معرفته لكيفية الصلاة الصحيحة ؟
الرد على ذلك من وجهين ١/ أن الزمن زمن وحي وتنزيل وكان الجميع في بداية التعلم والتعليم، وربما خفيت بعض الأحكام على كثير من الأكابر والأدلة على ذلك كثيرة
والدليل على ذلك أن ابن حجر - رحمه الله - ذكر رواية اسحاق بن أبي طلحة على لسان الصحابة في وصفهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يرمقه ( ولا ندري ما يعيب منها ).
٢/ أن الأمر مبني على عبرة وعظة وهي أن ربما يحدث من إنسان خطأ، ولكن هذا الخطأ يكون شرارة الانطلاق وبداية التغيير نعم خطأ ولكنه صبغ في نهر جارٍ من العجز والانكسار والمحبة والصدق والرضا، فأنبت هذا الموقف شجرة التغيير اليانعة فبالله عليك ماذا لو أعدنا صياغة جميع أخطائنا بهذه النظرة من جديد ؟!.
معادلة التعلم
[ محبة + صدق + أدب + تواضع + رضا وقناعة بالإمكانات + صبر + المبادرة وتحمل المسؤولية = التعلم الناجح ]
٣/ هذا الصحابي الجليل اسم على مسمى، فقد جعل الله له حظًا من اسمه ( خالد بن رافع ) [ كما جزم بذلك ابن حجر في فتح الباري ص 343 المجلد الثاني ]. فخلد الله فعله ورفع الله اسمه إلى يوم القيامة ؟! وليتنا إذا ذكرنا الحديث ذكرناه باسمه.
وكان الجزاء من جنس العمل لما صبر على معادلة التعليم لم يكن هناك أشهر منه وكان هذا الموقف في ميزانه إلى يوم القيامة فأصبح سند الصلاة من جبريل - عليه السلام - إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى خالد بن رافع - رضي الله عنه - إلى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم
ولولا إخلاصه وصدقه - رضي الله عنه - ما جاء الله به إلى خير البشر - صلى الله عليه وسلم -كي يعلمه خيرًا في خير الأزمان فكان ما كان والله المستعان..!!
في النهاية تكملون أنتم هذه العبارة : نعم مسيءٌ في صلاته، ولكنه...
__________________ | |
|