أكدت التجارب التي أجراها علماء النفس أن المرض العقلي هو عبارة عن نقص أو ضعف يصيب العقل ، وذلك يظهر في التصرفات العقلية ، أو في عجز النفس عن القيام بوظائفها على الوجه الأكمل . ووظائف العقل كما هو معروف تنحصر في الإدراك والوجدان والنزوع . فأي شذوذ في ناحية من هذه النواحي يدل على مرض العقل وعجزه عن القيام بوظائفه .
ومن الأمور المسلم بها أن لمعظم الإصابات العقلية إن لم يكن كلها أسبابا قد تكون جسدية أو نفسية سلوكية . كما أن كثيرا من الإصابات الجسدية تعود إلى أسباب عقلية ، ذلك لأن الإنسان ليس إلا وحدة جسدية عقلية ، فمن الطبيعي أن ما يؤثر فيه يشمل هاتين الناحيتين الجسم والعقل .
ولكن الإصابة الجسدية تفوق في بعض الأحيان الإصابة العقلية فيوصف المرض بأنه جسماني .
كما أن الإصابة العقلية قد تفوق الإصابة الجسمانية فيوصف المرض بأنه عقلي .
فإذا وضعنا هذه الحقيقة نصب أعيننا استطعنا أن نعرف السر في اشتراك عوامل أو مؤثرات خاصة في إحداث الأمراض الجسمانية والعقلية معا . وفي ضوء هذه الحقيقة يمكننا أن نقسم أسباب الأمراض العقلية إلى مجموعتين هما :
( 1 ) الأسباب السابقة أو المعرضة للمرض .
( 2 ) الأسباب المثيرة التي ينشأ عنها المرض مباشرة .
وإذا ما رغبنا في معرفة كنه الأسباب السابقة التي تجعل الإنسان مهيأ للإصابة معرضا لها .
نلاحظ أنها تحدث قبل الإصابة بالعقل التي تتوقف على سبب أو أسباب أخرى هي الأسباب المثيرة أو المباشرة . ولتوضيح ذلك نقدم مثلا مرض نيومونيا . إذ أن الأسباب المعرضة للإصابة بهذا المرض سوء التغذية ، وإدمان السكر ، والإسراف في تناول المواد الكحولية ، ولاكن الإنسان لا يصاب بالمرض بالفعل إلا إذا اتصلت الرئتان بالجرثومة أو الميكروب الذي ينشأ عنه المرض بالفعل .
ومن أهم الأسباب المعرضة للإصابات العقلية هي :
1 ـ الوراثة.
2 ـ السن .
3 ـ النوع .
4 ـ العوامل البيئية .
5 ـ المهنة .
6 ـ الإصابة السابقة .
وإذا رغبنا التحدث عن الوراثة التي تعتبر من العوامل الهامة التي تجعل الإنسان عرضة للإصابة ببعض الأمراض العقلية . وقد ثبت نتيجة للتجارب التي قام بها بعض العلماء أن ربع عدد المصابين بالأمراض العقلية أو ثلثهم أو أكثر في بعض الحالات ينتسبون إلى عائلات تشيع فيها الأمراض العقلية أو الاضطرابات العصبية ، لأن مرض العقل على الغالب يعود إلى وهن كامن في الجهاز العصبي ، أو إلى فقد التوافق والانسجام في تكون هذا الجهاز .
ويرى بعض علماء النفس الذين اختصوا في معالجة الأمراض العصبية الوراثية إن الذي يورث ليس المرض عينه الذي يصاب به الأصل . وإنما هو الاستعداد العصبي العام ، أو حالة المجموع العصبي بصورة خاصة . فإذا كان الأصل ضعيف الأعصاب ضعفا مزمنا ، نتيجة لإصابته بمرض عقلي ، فمن المرجح أن يكون الفرع ضعيف الأعصاب أيضا ، وأن يصاب بمرض عصبي سواء أكان هو ما أصيب به الأصل أم كان غيره .
وليس من الضروري أن يصاب جميع الفروع بمرض عقلي ، أو يكونوا عرضة لإصابات عقلية ، إذا كان أصلهم قد أصيب بذلك ، فالتجارب دلت أن كثيرا من أفراد العائلة الواحدة ينجون من خطر الإصابة التي حدثت لغيرهم من أفرادها .
أما ما يتعلق بالسن فقد دلت التجارب على أن السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل محوطة بكثير من الأخطار ، إذ فيها تبذر بذور الشخصية .
وقد تنبت فيها أصول أمراض عقلية لا تظهر آثارها إلا في عهد الكبر . ومن المؤكد أن المراهقة والبلوغ وما بعده بقليل من السنين أخطر أدوار الحياة العقلية ، إذ فيه تعظم نسبة الإصابة بالأمراض العقلية ، وبخاصة هيستيريا المراهقة .
وعندما يبلغ الإنسان من الكبر عتيا يصبح عرضة لضعف الجسم والعقل ، وقد يدركه الخرف إذا امتد به الأجل