من أمراض القلوب
التحزب لغير الحق
وهو
مرض خطير، وداء يقتل ويهلك الأفراد والأمة على حد سواء، وهو على نوعين:
1- التحزب لبعض المبادئ الأرضية:كالقومية والوطنية والعلمانية وغيرها من المبادئ
الضالة، وهذه قد راج سوقها وكثر، خاصة في هذه الأيام، ونحن نسمع عما يسمى (الوحدة الوطنية)، وهي الحب على أساس المواطنة، فما
كان من وطنك تحبه سواء كان مسلما أو فاسقا أو كافرا، فالمهم أنه مواطن مثلك، بينما
لا تحمل هذا الشعور لأخ مسلم من غير وطنك، ولو كان من أتقى الناس.
فهي
موالاة ومعاداة على أساس الوطن. حتى قال أحدهم -فض الله فاه-: كل حب يذهب ويتلاشى
إلا حب الوطن. يعني إلا حب التراب، حب الأرض، ملأ الله جوفه قيحا وصديدا، هكذا: كل
حب يذهب حتى حب الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا حب الوطن، فهو شرك من نوع جديد.
وما
دري هذا المسكين أننا لا نـزال نقرأ في القرآن:
(تَبَّتْ يَدَا
أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)([1])
وقـد نـزلت في عم النبي صلى الله عليه وسلم أبي لهب، ونحن نتبرأ منه ونبغضه. ونحن
لا نـزال نثني على بلال الحبشي وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، ونترضى عنهم، ونسأل
الله أن نحشر في زمرتهم.
ولا
يفهم من هذا الكلام أننا لا نحب الوطن، كلا، فهو أمر جبلي مركوز في النفس، لكن حب
الوطن لا بد أن يكون خاضعا لحب الله ورسوله. وهل هاجر رسول الله صلى الله عليه
وسلم من وطنه وأفضل بقاع الأرض (مكة) إلا لما كان في ذلك مرضاة لله ورسوله، وهكذا
المهاجرون وغيرهم.
2- التحزب من بعض المسلمين ضد بعض:فنجد
بعض الدعاة يتحزبون ضد بعض، وبعض طلبة العلم يتحزبون ضد بعض، فيحب هذا أكثر من هذا
لأن الأول من حزبه، ولو كان الثاني أتقى منه وأفضل. وهذا خطأ كبير، وهذا يحب ذاك
لأنه يتبع شيخه أو إمامه، ويعادي الآخر لأنه يتبع إماما أو شيخا آخر.
فالواجب
موالاة المسلمين لإيمانهم، ومعاداة الكفار لكفرهم، ولا يجوز التحزب لغير الحق،
فإنه يورث الأمة التفرق والتشتت (وَلا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ
وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)([2])
[سورة آل
عمران، الآية: 105] وهناك فرق كبير بين التحزب وبين التنافس في الخير
فالتنافس مطلوب ومحمود (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ
مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ)([3])
[سورة آل
عمران، الآية: 133] (سَابِقُوا إِلَى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ)([4])
[سورة الحديد،
الآية: 21] أما التحزب فمذموم، وكم أودى بأمم وجماعات وأفراد. حتى صار حال
بعضهم كما قال الشاعر:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشـــد غزيـــة أرشــــد وعلاج
التحزب بالتجرد لله -جل وعلا-، والسلامة من الهوى والتحري في المنهج، وأن نعرف
الرجال بالحق، لا الحق، بقول الرجال.