من المستحيـل أن تجد أي أحدٍ في العالم يوقد نارًا لمدة ثلاثة أيام ثم يُلقي فيها ابنه؛ لأن هذا يتنافى مع رحمة الإنسان بولده والتي هي جزء من 99 جزءًا من رحمة الله عزَّ وجلَّ ..
فما بالنا برحمة الله جلَّ جلاله بعباده؟
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي رجل ومعه صبي فجعل يضمه إليه، فقال النبي "أترحمه؟"، قال: نعم، قال "فالله أرحم بك منك به، وهو أرحم الراحمين" [رواه البخاري وصححه الألباني، الأدب المفرد (377)]
فكيف تتعامل مع رحمة الله عزَّ وجلَّ؟
بل قبل ذلك ينبغي أن نسأل أنفسنا: كيف ننـــال رحمة الله جلَّ وعلا؟
أبشروا إخوتي، فإن الحصول على رحمة الله عزَّ وجلَّ يسيــر؛ لأن رحمته سبحانه وتعالى قد وسعت كل شيء وأما غضبه فلم يسع كل شيء .. لأنه القائل سبحانه {.. وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ..} [الأعراف: 156]
وهذا ما يليق برحمة أرحم الراحمين، ولولا ذلك لكنا جميعًا خاسرين هالكين ..
فكل من رحمك من أهلك وأحبابك، فإن الله تعالى قد رحمك أكثر منهم وهو الذي أرسلهم إليك رحمةً بك ..
ولو جمعت رحمات الخلق جميعًا، لكانت رحمة الله بك أكثر وأوسع ..
ولن يفوق أحدٌ رحمة ربُّنا سبحانه وتعالى أبدًا، ولا يمكن للواصفين أن يعبروا عن حتى ولو جزءٍ يسيـــر من رحمته التي نشرها في أرجـاء مملكته سبحــانه ..
وقد شرَّف الله عزَّ وجلَّ رحمته وعظمها، بأن جعلها في كتابه الذي فوق العرش .. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي" [متفق عليه]
فإن كانت رحمة الله عزَّ وجلَّ قد وسعت كل شيء، ألا تسعك أنت؟
وقد وسعت رحمته من قتل 99 نفسًا، وأنت لم تقتل أحدًا .. فكيف لا يرحمك؟
فإيــــاك أن تيأس من رحمة ربِّكَ أبدًا،،
الكون كله من أوله لآخره مملؤ برحمة الله، كامتلاء البحر بالمـاء وامتلاء الجو بالهواء ..
وليس بينك وبين رحمة الله إلا أن تطلبها منه وسوف يعطيك إيـاها؛ لأنه هو وحده الذي يملكها ..
قال تعالى {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2]
ومن شدة قرب رحمة الله منك، فليس عليك سوى أن تُحسن الظن بربِّك وهو سبحـانه سيكون عند حُسن ظنك ..
فإن ظننت إنه سيرحمك، يرحمك .. وإن ظننت إنه سيعتقك من النار، يعتقك من النار .. وإن ظننت أنه سيدخلك الفردوس الأعلى، يُدخلك الفردوس الأعلى ..
قال في الحديث القدسي "قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء" [رواه الطبراني وصححه الألباني، صحيح الجامع (4316)]
ويجب أن تُحسن الظن بالله وأنت موقن بذلك .. قال رسول الله "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه" [رواه الترمذي وحسنه الألباني، صحيح الجامع (245)]
فإن أحسنت الظن بربِّك، أعطاك أكثر مما تطلب وترجو .. بشرط أن يكون رجاءً وليس أمانيًا ..
والفرق بين الرجــاء والأماني ..
أن الرجـــاء يقترن بالعمل وامتثال الأوامر .. والرحمة مشروطة بالعمل، كما قال تعالى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82] ..
أما الأماني فهي مجرد ظنون، بلا عمل أو امتثال للأوامر ..
فإن حققت تلك الشروط، تنال رحمة الله عزَّ وجلَّ في الدنيــا والآخرة ..
أما من يصرَّ على الوقوع في الذنوب وعدم التوبة على الرغم من كل هذا الكرم، فهذا لا يستحق أن يُرحَم!
وكيـف تقترب من رحمة الله؟
إذا رَحِمت الناس وعطفت عليهم، ستكون رحمة الله قريبة جدًا منك .. قال رسول الله "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" [رواه أبو داوود وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2256)]
وقال "من لا يرحَم، لا يُرْحَم" [متفق عليه]
فلنتعاهد من الآن على الاجتهاد في تحصيل رحمة الله عزَّ وجلَّ
بإحسان الظن بالله ورحمة الناس
لنلتقي جميعًا بإذن الله تحت رحمته يوم القيــامة،،