أبو الرجال مشرف القسم الاعلامى
عدد المساهمات : 213 نقاط : 5944 التقييم : 0 تاريخ الميلاد : 20/10/1972 تاريخ التسجيل : 03/11/2009 العمر : 51 المزاج : مؤمن بالله تعاليق : ما كان يومئذ دين فهو اليوم دين ومالم يكون يومئذ دين فليس اليوم بدين
اذا لم تكن سلفيا فتشبه بهم فإن التشبه بالكرام فلاح
| موضوع: الإنفلات السياسى أخطر من الإنفلات الأمنى 2011-07-11, 18:59 | |
| هناك حالة من "الهياج" السياسي بعد مليونية "الثورة أولا" أخشى أن تؤدي بالبلاد لانفلات سياسي تختفي فيه رؤى الكيانات السياسية المنظمة من أحزاب وهيئات ونقابات وغيرها، وتطغى فيه أصوات فردية تتميز بالحدة والإخلاص والوطنية لكن تغيب عنها الرؤية الواضحة لخارطة طريق تحقق أهداف الثورة.
إن أول وأهم أهداف الثورة المصرية كان – ولا يزال – الانتقال بمصر من دولة الاستبداد إلى دولة الحريات ومن حكم الفرد إلى أن تكون الأمة مصدرا للسلطات ورقيبا عليها. هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا من خلال انتخابات حرة ونزيهة تأتي بحكومة بين يديها تفويض شعبي، يعطيها الصلاحية الكاملة لإصلاحات جذرية شاملة. ذلك هو هدف الثورة الأول، وهذا هو الطريق الأوحد لتحقيقه، وأي جهود أخرى لأخذ الأمة بعيدا عن هذا المسار إنما يؤخر الإصلاحات الحقيقية والنهضة المرتقبة.
إن المطالبة بالإسراع بالمحاكمات العادلة لرموز النظام البائد ولقتلة شهداء الثورة وعلى رأسهم حسني مبارك لا ينبغي أن يختلف عليه مصريان وعلى المجلس العسكري وحكومة الدكتور شرف الاستجابة الكاملة والمباشرة لهذه المطالبة، لكن تحقيق هذه المحاكمات وحدها لن يخرج بالبلاد من أزمتها الراهنة. إننا من المفترض أن نخوض انتخابات عامة بعد أقل من ثلاثة أشهر، ومع ذلك لا نرى الاستعدادات الإدارية والأمنية واللوجستية الكافية من جهة النظام الحاكم، ولا نرى الاستعدادات المقابلة من جهة الأحزاب والكيانات السياسية. إن التباطؤ في السعي لإيجاد حكومة منتخبة قوية قد يكون أشد خطرا من التباطؤ في المحاكمات على أهميتها وضرورتها. إن حكومة الدكتور شرف حكومة محدودة الصلاحيات بطبيعتها لأنها حكومة مؤقتة لتسيير أعمال الدولة في هذه الشهور القليلة ومطالبتها بأبعد من ذلك تعجيز لها.
إن من يطالبون حكومة شرف بإعادة بناء وزارة الداخلية من الصفر إنما يطالبون بإجراءات استراتيجية بعيدة المدى ليست من قدرات ولا صلاحيات هذه الحكومة. لقد سمعت أحد الشخصيات الإعلامية البارزة يطالب الحكومة بإجراءات اقتصادية "صارمة" تضمن استعادة عافية الاقتصاد المصري ورفع الحد الأدنى للأجور وتنشيط السياحة وزيادة الصادرات .. وهذا كلام ساذج غير مسئول لا يفهم طبيعة المرحلة الانتقالية. إن أفضل ما يمكن للحكومة الحالية أن تحققه، هو العبور بسلام وحد معقول من الاستقرار إلى الانتخابات البرلمانية الوشيكة. في حدود هذا التكليف، يمكن اعتبار حكومة شرف ناجحة إذا تأملنا الأشهر القليلة الماضية وفي ظل حالة من الاضطراب السياسي والأمني وبعد انهيار كامل لمؤسسات الدولة، استطاعت الحكومة الحالية تحقيق:
1. ضمان توافر السلع الأساسية بما فيها القمح بلا زيادة تذكر في الأسعار.
2. حل مشكلة الغاز والسولار.
3. توفير خدمات الكهرباء في أوج ارتفاع حرارة موسم الصيف (تذكروا مستوى الخدمات في صيف 2010).
4. انتظام الدراسة والامتحانات الجامعية وامتحان الثانوية العامة وعدم تسرب ورقة أسئلة واحدة، وانتظام عمليات التصحيح والتجهيز لتنسيق الجامعات.
5. توفير المناخ اللازم لبدء انتخابات النقابات المهنية.
6. تفاعل معقول مع القضية الفلسطينية وملف دول حوض النيل.
7. أداء مقبول للبورصة والمحافظة المقبولة لقيمة الجنيه المصري.
8. تأمين جيد لمؤسسات الدولة والبنوك والآثار والهيئات.
إن تحقيق هذا المستوى المعقول من الاستقرار المعيشي أمر ينبغي ألا ننكره أو نغفله في حق الحكومة والمجلس العسكري خاصة إذا اعتبرنا الخبرة السياسية المتواضعة لكليهما والظروف الضاغطة. لقد كان الضجر الشعبي شديدا في مارس الماضي مطالبا بالإسراع بعودة عجلة الحياة والمعيشة لطبيعتها بعد انهيار الدولة، وأحسب أن قسطا معقولا من هذا قد تحقق.
إنه من الضروري لنا أن ننظر لأزمتنا الراهنة كجزء من صورة كبيرة، لأن مصر كيان كبير إقليميا وعالميا. إن القوى الكبرى في العالم تدرك أن بوصلة الأحداث في مصر ستؤثر على الشرق الأوسط كله، وهذه القوى لها مصالح ومطامع لن تفرط فيها. وليس سرا أن نعرف أن الدوائر السياسية في الولايات المتحدة لا ترغب في إجراء انتخابات قريبة في مصر وتدفع بكل قوة من أجل تأجيلها لسنة أو سنتين على أقل تقدير حتى تستطيع أن ترتب أوراقها وتحدد حلفاءها. إن ما أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرا من إنفاق 40 مليون دولار دعما نقديا مباشرا لمنظمات مدنية مصرية رفضت أن تفصح عن أسمائها، أمر خطير لأن وجود 240 مليون جنيه تحت تصرف "ناشطين" يمكن أن يكون له تأثير قوي في اتجاهات لا تخدم المصالح الوطنية لمصر. وقد أحسنت حكومة شرف بتكوينها لجنة تقصي لمعرفة الكيانات التي وصلتها هذه الأموال، وحبذا لو استصدرت مرسوما من المجلس العسكري يوجب على هذه الجمعيات الكشف الفوري عن مصادر تمويلها وإلا تعرضت لعقوبات صارمة.
إن مصر تمر بفترة بالغة الحساسية لا تحتمل استعداء الشعب على المجلس العسكري والحكومة برغم أخطائهم غير المبررة في موضوع المحاكمات. إن البعض يدفع الأمور لحافة المواجهة والانفلات غير عابئ بمستقبل البلاد، وإن الشحن الإعلامي يهدف بقطاعات شعبية كبيرة للتعاطف مع هذا الدفع بالضرب على الأوتار العاطفية المثيرة. إن أصواتا بدأت خافتة ولكنها ترتفع بسرعة الآن، تكيل الإهانات والازدراء والاتهامات للمجلس العسكري وتراهن على الانفلات السياسي لخلق حالة من العداء بين الشعب والمجلس العسكري. إن مشاكل مصر على المدى البعيد لن تحلها حكومة بديلة لحكومة شرف ولن يحلها استبدال بعض الوزراء أو استصدار بعض القرارات فقط. إننا أمام مشاكل آنية ينبغي أن نصر على حلها بأسرع ما يمكن، ولكن بحيث لا تجعلنا نغفل أو ننشغل أو تتبدد طاقاتنا وغضبنا عن خارطة الطريق الأساسية بحيث نأتي بحكومة قوية منتخبة بتفويض شعبي واضح. هذه الحكومة المرتقبة لن ترتعش أيديها في اتخاذ السياسات والقرارات المفصلية التي تحتاجها مصر للعبور لعصر النهضة. المقال للدكتور محمد هشام راغب | |
|