اليوم الثلاثاء، طالعتنا وكالات الأنباء بخبرين فى غاية الأهمية، يتعلقان ببعضهما البعض، الأول يفيد بإنقاذ القوات البحرية 87 موطناً من الغرق فى محاولة لهجرة غير شرعية على مسافة 12 ميلا بحريا من السواحل المصرية أمام منطقة برج العرب، والثانى إنقاذ البحرية اليونانية 94 مهاجرًا مصريًا غير شرعى، انقلب بهم مركبهم أمام جزيرة كريت اليونانية.
وقد يرى كثيرون أن استمرار الهجرة غير الشرعية، فى هذا التوقيت، يعنى استمرار فقدان الشباب الأمل فى المستقبل داخل البلد، وهو ما كان سائداً طيلة السنوات الأخيرة من فترة حكم الرئيس السابق حسنى مبارك، بسبب انتشار الفقر الذى أدى إلى أن 41% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وارتفاع نسبة البطالة، وعدم وجود حصر دقيق لها، لكن يفترض أن مصر الجديدة ولدت عقب الخامس والعشرين من يناير، وهى تحتاج تكاتف جميع أبنائها لإعادة بنائها ومواجهة مشاكلها، لكن البعض لا يزال يهرب من مركب البلد، ويفضل رحلة إلى المجهول محفوفة بالمخاطر، قد تنتهى بالموت.
فى تفسيرى أن استمرار هجرة الشباب غير الشرعية تعنى أن أبواب الأمل لا تزال موصدة، وربما أغلقت أكثر، بسبب ما تمر به البلاد من أوضاع أمنية لم تعد كما كانت، واقتصاد يمكن وصفه بأنه على حافة الهاوية.
ونحن حين نحلل الأوضاع الحادثة على الأرض، نغرق كثيراً فى أمور سياسية، تكاد تطغى على المشهد السياسى فى العاصمة، مثل أيهما يسبق الآخر، الدستور أم الانتخابات، ويبدو أننا فى معمعة هذا الجدل فاتنا أن قطاعات يبدو أنها عريضة غير مشغولة بهذا النقاش والجدل النخبوى، ولا تزال فاقدة للأمل، وتفضل الموت فى البحر على البقاء فى مصر.
مصر فى هذه اللحظات العصيبة تحتاج إلى الأمل، وهذا الأمل يبدأ، بضبط إيقاع المرحلة الانتقالية، والانتقال منها إلى الأوضاع الدائمة، حتى نستطيع الدخول سريعًا فى صلب المشاكل المزمنة التى تعانى منها مصر، وزادت وتفاقمت مؤخرًا مثل الفقر والبطالة، خاصة أن قطاعات عديدة فى الدولة مثل السياحة والصناعة والإنشاءات بدأت تعانى وتصرف عمالها، ليضافوا إلى قوائم العاطلين، وربما إلى الطابور الطويل الساعى إلى مركب صيد يأخذه إلى عرض البحر فى انتظار مصير مجهول.
وإذا لم نزرع الأمل، ونشرع فى الدخول سريعاً إلى المستقبل، فعلينا أن نجتر بعض ما جاء فى قصيدة الشاعر الكبير فاروق جويدة "هذه بلاد لم تعد كبلادى" ويقول فيها:
ضاق الزمان بثورتى وعنادى
أحببتها.. حتى الثمالة بينما
باعت صباها الغض.. للأوغاد
لم يبق فيها غير.. صبح كاذب
وصراخ أرض فى لظى استعباد
لا تسألونى عن.. دموع بلادى
عن حزنها فى لحظة استشهاد
فى كل شبر من ثراها.. صرخة