إن مسألة الذمة المالية للزوجة مسألة كثر فيها الكلام، وباتت مسألة شائكة تسبب كثيرًا من المشاكل وتقع كأي مسألة بين إفراط وتفريط، فهناك صنف من الأزواج ينظر إلى زوجته على أنها بقرة حلوب تدر مبالغ من الأموال إلى خزانتها العامة، دون أن يكون للزوجة أدنى حق في مالها التي اكتسبته يداها ومن تعبها وعرقها، وينتظرها كل شهر ليأخذ منها راتبها دون شفقة أو رحمة، وإلا فالويل ثم الويل لها.
ـ وهناك صنف من النساء يخرج يوميًا ما لا يقل عن عشرة ساعات، وتقصر في خدمة زوجها وبالتالي في الرعاية المستحقة لأبنائها وتعود وقد سئلت حقيبة بمال كثير نظير هذا العمل، ولا ترى لزوجها ولا لأولادها أي حق في مالها الخاص، بل يجب على الزوج النفقة عليها وعلى أولادها بلا أي تقصير، بل أحيانًا يتعدى الأمر ذلك وتكلفه ما لا يطيق، فيعيش مهمومًا فقيرًا ورفيق الدرب عُني بكنز أمواله.
ـ وفي الغالب فإن الرجل الكريم القادر لا يطلب من زوجته مالاً ينفق منه على البيت، وكذلك فإن المرأة الكريمة القادرة لا تنتظر تنبيهًا من أحد يدفعها أن تساهم في نفقات الأسرة، لأن هذا الكيان المشترك الذي يتكون من الأب والأم والأطفال صغروا أو كبروا مسئولية مشتركة تقوم فيها المرأة بالدور الأكبر في الرعاية والتربية وتساعد ببعض المال بحسب الظروف والأموال، مع أن الأصل الذي نميل إليه هو أن الرجل هو المسئول عن الإنفاق بشكل كامل على قدر دخله، ولو كانت زوجته ذات مال.
ـ وهناك مسألة يجب التنبيه إليها وهي أنه ليس للرجل أي حق في مال المرأة الذي ورثته، أو وصل إليها بصورة لا تضر بالبيت أو الأولاد كالتجارة تمارسها في بيتها، أو إيجار بيوت أو عقارات، أما راتبها من العمل فمسألة أخرى اختلف فيها الفقهاء: فمنهم من قاسها على الأصل السابق بما لا يجعل الرجل فيه حقًا، ومنهم من رأى فيها مسألة مستحدثة تستقطع فيها المرأة جزء من الوقت المخصص أصلاً لرعاية البيت، لتقوم بأداء هذا العمل مما يترتب عليها حقًا ما نظير خروجها هذا.
ـ والأمر المهم أننا عندما نناقش الأمور الزوجية يجب ألا نغفل عن الأصل القرآني وأن هذه العلاقة المقدسة وإن كان يحكمها ويضبطها الحدود الشرعية والواجبات ويجب ألا ننسى الفضل في هذه العلاقة كما في قوله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:237] وإن كانت المرأة وهبت للرجل أعز ما تملك ووهبت له زهرة شبابها فهل تبخل عليه بدريهمات، وكذلك الرجل, فقد ضحى بالغالي والنفيس حتى يتمكن من الزواج والإنفاق على زوجته وأولاده, فلم يبق له شيء، فهل يطمع في دريهمات من مال زوجته تعبت في الحصول عليه.
ـ إذًا فإن الأصل في إدارة شئون الأسرة سواء في الاقتصاديات أو غير ذلك، إنما يقوم على الثقة والفضل، وفي إطار هذه الثقة وهذا الفضل نتوقع من الزوجة أن تساهم بقدر معقول تقدره هي حسب ظروف البلد وحسب احتياجاتها الأخرى التي تقوم بقضائها من ملبس وغيره بالاتفاق مع الزوج، وإن كانت غير ملزمة شرعًا بذلك والله أعلم.
ـ وأفضل ما تنفقه الزوجة، بل خير الإنفاق على العموم، هو إنفاق الزوجة على زوجها، إن هذا من باب التراضي بين الزوجين، ودفعها إلى مزيد من الترابط، شرط أن يكون ذلك عن طيب نفس منها، ولا تنسى أن ذلك كان موقف ا لسيدة خديجة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثته حيث يقول: [وواستني بمالها].
وهذه الطريقة من الإنفاق بالتراضي تعمر البيت المسلم، أما سلب مال الزوجة دون رغبتها فهو يخربه، أو تجعلها مغبونة وهو ما لا يرضاه الله عز وجل.
وفصل الخطاب في هذا الأمر يتضح من خلال النقاط التالية:
1] أن مسئولية الإنفاق على الزوجة والأبناء تقع على الرجل وهي القوامة.
2] أن للزوجة ذمة مالية خاصة بها، ولا يجوز للزوج ولا لغيره أخذ شيء منها إلا برضاها.
3] أن الحياة الزوجية السعيدة مبنية على الفضل والتنازل وليست على الصراع والسيطرة والأنانية.
4] أن أفضل النفقة والقربة إلى الله عز وجل هي نفقة الرجل على زوجته وعياله وكذلك الحال بالنسبة للمرأة.
5] في حالة يسر الرجل فالأولى له ترك مال الزوجة للزوجة، فهذا أفضل القوامة عليها وأسكن لنفسها.
6] الإنفاق بين الرجل والمرأة والتفاهم العاقل يحل كثيرًا من هذه المشاكل، فمثلاً يتفقا على قدر معين من المشاركة، ويقول بعد ذلك جزء للمرأة تتصرف فيه كما تشاء، وهذا بالطبع ليس إلزامًا ولكنه يكون عن تراض منها.
7] أن هناك فرقًا بين الميراث أو المال الذي يخص المرأة بصورة ليس للرجل أي دخل فيها، وصورة عمل المرأة الذي يمكن أن ينقص من حقوق الرجل، فالكلام والنقاش في هذا وليس من أي مال للمرأة.
8] أن خروج المرأة للعمل لا بد وأن يصاحبه تقصير في حق الزوج، على المرأة أن تعوضه بالمشاركة في المنزل