قصة شجرة الجوز المسحوره
في قديم الزمان، وفي قرية صغيرة من قرى الصين عاش شقيقان في كوخ بائس من القش. وكان كل ما يملكانه بقرة كبيرة السن يشربان حليبها وتساعدهما في حراثة الأرض. اعتاد الأخ الأصغر، وكان طيب القلب، أن يرعى البقرة كل يوم، فيصعد الجبل، ليقطع لها الأعشاب، ويفلح الأرض. أما الأخ الأكبر، فكان كسولاً طماعاً يستغل أخاه الأصغر في العمل.
وفي يوم من الأيام، طلب الأخ الأكبر من أخيه الصغير أن يتقاسما ممتلكات العائلة، فردَّ الأخ الأصغر بدهشة:
"ولكننا لا نملك إلا بقرة واحدة يا أخي. فكيف نتقاسمها؟
رد الأخ الكبير: "بسيطة أنا أحتفظ بها، أما أنت فيمكنك الحصول على ذبابة البقر. تلك الذبابة التي تخضع لصاحبها تماماً".
حاول الأخ الأصغر المسكين أن يدافع عن حقه. ولكن أخاه الكبير كان مصراً، وكان من المستحيل أيضاً اقتسام البقرة! وكذلك لم يجد أمامه مفراً من التسليم، فحمل ذبابة البقرة، ومضى حزيناً إلى بيت خالته، بعد أن طلب منه أخوه أن يتنازل له عن المنزل أيضاً، لأنه يريد الزواج.
في بيت الخالة فوجئ الأخ الأصغر بديكها يلتهم ذبابته في غفلة منه، فأخذ يبكي بشدة، وهو يحس بالوحدة والعجز، وعندما سألته خالته عن سبب بكائه، روى لها القصة، فأشفقت عليه، ومنحته ديكها قائلة:
"ما دامت الذبابة في جوفه فهو من حقك".
فرح الأخ الأصغر كثيراً بديكه الملون الجميل، وأصبح صديقه الذي يلازمه كظله. وبنى لنفسه كوخاً بسيطاً أقام فيه، ولكن هذا الكوخ بعد بضعة أشهر لم يصمد أمام هجمات الشتاء القوية، فأخذ الأخ الأصغر ديكه، ولجأ إلى بيت جاره العجوز، وهناك كانت المفاجأة!!
تسلل كلب العجوز الأصفر الصغير إلى المنزل، والتهم الديك.
حزن الأخ الأصفر أشد الحزن، وعندما عرف جاره العجوز بالقصة، قرر تعويضه عن الديك بالكلب الأصفر، قائلاً بمزاح:
"ما دام ديكك في جوفه، فهو من حقك".
وهكذا أخذ الأخ الأصغر صديقه الجديد، وعامله أحسن معاملة.
انقضى الشتاء وجاء موسم الزراعة. أخذ الفلاحون يحرثون حقولهم بواسطة الأبقار. ولكن الأخ الأصغر لم يكن يملك بقرة، فراح يراقبهم بحزنٍ. وفجأة تحدث الكلب الأصفر إلى صاحبه قائلاً بحنان:
"لقد كنت طيباً معي، وسأساعدك في حرث الأرض".
لم يصدق الأخ الأصغر أذنيه، ولكن هذا كان حقيقياً تماماً. وبالفعل بدأ الكلب يحرث الأرض بهمة ونشاط عجيبين وبقوة فائقة.
انتشر الخبر في القرية، وعلم الأخ الأكبر الطماع بالأمر. فجاء مصطحباً بقرته، يريد استبدال الكلب بها. أصر، توسل وهدد.. وأخيراً لم يجد الأخ الأصغر مفراً من الموافقة.
في اليوم التالي حاول الأخ الأكبر إجبار الكلب على حراثة الأرض، ولكنه امتنع. أخذ يعذبه ويجلده حتى أرغمه على الحراثة يوماً كاملاً. واستمر على هذا الحال حتى مات الكلب المسكين من الجوع والتعب وسوء المعاملة.
عرف الأخ الأصغر بما جرى، وتألم كثيراً لموت صديقه الوفي، فحفر حفرة دفنه فيها وزرع فوقها شجرة جوز، أخذ يسقيها كل يوم بالماء حيناً وبدموعه حيناً آخر.
كبرت شجرة الجوز بسرعة غريبة، وجاء يوم نضجت فيه ثمارها الضخمة، وسقطت منها واحدة بيد الأخ الأصغر، حملها وبدا كما لو أن وزنها يزيد أكثر فأكثر، وهي تتشقق بين يديه. وضعها على الأرض بحذر وإذا بها تنقلب فجأة إلى منزل رائع كبير. دخل الأخ الأصغر مدهوشاًً للمنزل، وفوجئ بجمال أثاثه، وتنوع مأكولاته. ولطيبة قلبه أسرع إلى أخيه الكبير يزف النبأ وهو يقول:
"أريد أن أوزع ثمار شجرة الجوز على الفقراء ليجدوا المأوى والطعام".
ثار الأخ الأكبر في وجه أخيه قائلاً:
"لماذا هذا التبذير؟ سنبيعها ونصبح أغنياء".
ولكن الأخ الصغير رفض هذا البخل والطمع، بعد كل ما ذاقه من معاناة في فقره. وعندها تسلل الأخ الكبير الطماع للشجرة سراً وسرق كل ثمارها. وفي الليل أمسك بالجوزة الأولى وهو يفرك يديه تلذذاًَ مستبشراً بالغنى، تشققت الجوزة بين يديه، ويا لهول ما جرى!! خرجت منها ذبابة بقر، ثم أخرى وأخرى، وهجم الذباب كله عليه يلسعه، فهرب للخارج، واختبأ ريثما طار كل الذباب، ثم عاد للداخل متسللاً وهو يقول:
"لا شك أن هذه جوزة سيئة. سأجد في غيرها قصراً جميلاً".
فتح الأخ الأكبر جوزة أخرى، فخرج منها ديك صغير نقره في أنفه، ثم انصرف.
كاد الأخ الطماع يجن، ففتح جوزة ثالثة في إصرار وغضب، وإذا به يسمع صوت نباح، وفوجئ بالكلب الأصفر الذي عذبه حتى مات يخرج منها نباحاً في قسوة، وهو يهم بعضِّه.. ركض الأخ الأكبر هارباً كما لم يركض من قبل، حتى خرج من القرية هائماً على وجهه، وهو يتخيل نباح الكلب وراءه.
ومنذ ذلك اليوم لم يعد الأخ الطماع إلى القرية ولم يسمع به أحد.
وهكذا تكون نتيجة الظلم والاستغلال والطمع.