[بسم الله الرحمن الرحيم ]
عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً
إن الأبرار يشربون مما وضع في الكأس من خمرٍ لذة للشاربين، وهذه الكأس قد مُزجت بالكافور. وقد جاءت الآية التي بعدها لتفسِّر معنى الكافور: ﴿عيناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّه﴾، فالكافور هو: عين، أي: نبع ماءٍ في الجنة. وإعراب كلمة: (عيناً) هو بدل من (كافوراً). فيصبح المعنى: إن الأبرار يشربون من كأس قد امتزجت بماء آخر ينبع من عين تسمى: كافوراً.
﴿عيناً يشربُ بها عباد اللَّه﴾: لم قال الله: ﴿يشربُ بِهَا﴾ ولم يقل
يشرب منها) ؟! هنالك جوابان، أحدهما لغوي والآخر بلاغي:
أما الجواب اللغوي: لأن حروف الجر يتناوب بعضُها عن بعض، كقوله تعالى في آية أخرى: ﴿حَتَّى إذا أقلَّتْ سحاباً ثقالاً سقناه لبلدٍ ميتٍ فأنزلنا به الماء﴾ فقوله تعالى: ﴿يشرب بها عباد الله﴾ يعني: يشرب منها عباد الله. لأن علماء اللغة قالوا: إن حروف الجر تتناوب.
وأما الجواب البلاغي: فالشرب إما أن يُعبَّر عنه بالصورة، وإما أن يُعبَّر عنه بالحقيقة، فالصورة هي: الشرب من الماء، أما الحقيقة فهي: التلذذ بالماء، لذلك جاء حرف الجر في الآية على المعنى لا على الصورة، فقال تعالى: ﴿يشرب بها عباد الله﴾. أي أن الله عز وجل ذكر حرف الجر (الباء) ليشير إلى حقيقة الشرب وهو التلذذ، فـ(يشربُ) هنا معناها: يلتذُّ، وكلمة (يلتذُّ) نلحقها بحرف الجر: الباء، فأقول: يلتذُّ به.
﴿يفجرونها تفجيراً﴾: أي يخرجون منها ما يريدون، ولو كان الذي يريدون كثيراً وكثيراً جداً، ويستطيعون إيصال الماء إلى حيث يريدون، ولو كان هذا الإيصال لمسافات كبيرة وكبيرة جداً، لأن هذا الماء يخرج ويسيل بقوة كبيرة جداً، ومنظره يرويك ويُشبعك ويُشعرك بأنه يصل إلى أي نقطة تريدها. وهذا كمثل نبع زمزم الذي يتفجر ماؤه تفجيراً.
وقد أُعطي هؤلاء الأبرار هذا النعيم لأنهم: ﴿يوفون بالنَّذر ويخافون يوماً كان شرهُ مستطيراً * ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً﴾. فهم أُعطوا هذا النعيم لثلاثة أسباب:
1- ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْر﴾: النذر هو: أمرٌ أوجبته أنت على نفسك. أي أنهم يوفون بما أوجبوه على أنفسهم، فما بالك بما أوجبه الله عزَّ وجلَّ عليهم ؟ وهذا من باب المجاز المرسل أو من باب الدلالة بالأولى، فهم عند عهودهم مع أنفسهم، ومن باب أولى هم عند عهودهم مع ربهم، لذلك يُقال: "من عرف نفسَه فقد عرف ربَّه". فإيمان المؤمن يظهر عندما يكون بينه وبين نفسه، لذلك ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول:
(اللهم اجعل سريرتي خيراً من علانيتي، واجعل علانيتي صالحة)
الراوي: عمر بن الخطاب - خلاصة الدرجة: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده بالقوي - المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3586
الراوي: - - خلاصة الدرجة: [لم أجد له إسنادا] - المحدث: السبكي (الابن) - المصدر: طبقات الشافعية الكبرى - الصفحة أو الرقم: 6/379
الراوي: عمر بن الخطاب - خلاصة الدرجة: غريب من هذا الوجه - المحدث: ابن كثير - المصدر: مسند الفاروق - الصفحة أو الرقم: 1/179
الراوي: عمر بن الخطاب - خلاصة الدرجة: ضعيف - المحدث: الألباني - المصدر: ضعيف الجامع - الصفحة أو الرقم: 4097
الراوي: عمر بن الخطاب - خلاصة الدرجة: ضعيف - المحدث: الألباني - المصدر: ضعيف الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3586
الراوي: عمر بن الخطاب - خلاصة الدرجة: فيه ضعيفان - المحدث: الألباني - المصدر: مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 2438 .
2- ﴿ويخافون يوماً كان شرُّه مستطيراً﴾: لقد قال الله تعالى: ﴿شرُّه مستطيراً﴾ ولم يقل: (خيره مستطيراً)، مع أنه خير بالنسبة للأبرار، لأن هذا اليوم من شدة هوله، يجعل كل المخلوقات تخاف، حتى أهل الخير، مع أنهم مطمئنون إلى أنهم سيدخلون الجنة في النهاية، ومع هذا فهم يخافون.
وكلمة: (مستطيراً) من الطيران، واستطار: طلب الطيران، فحرفا السين والتاء هما للطلب، أي سيطير الشرُّ حتى إلى أهل الخير، لأن الله عزَّ وجلَّ يريد أن يُشعر أهل الخير بالنعمة بعد أن ألمَّ بهم شيء من الخوف، فيقول لهم: أنتم آمنون.
وهذا كمثل يوم نتائج الامتحانات، مهما كان الطالب متفوقاً ومجتهداً فإنه يشعر بالخوف والقلق، مع أنه مطمئنٌ إلى أنه ناجح، والخوف يتجاوز المقصِّرين إلى الغير مقصِّرين، والإنسان يتأثر بمن أمامه.
3- ﴿ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً﴾: أي حال كونهم محبين الطعام، ومحبة الطعام هنا تعني: حاجتهم الماسّة لهذا الطعام كحاجة المحبوب إلى محبوبه.
وجـــــــــــــــــزاكم الله خير الجزاء