لامنى صديق لأننى أعلنت فى أكثر من موضع تأييدى المبكر للدكتور محمد البرادعى كمرشح رئاسى فى الانتخابات الرئاسية القادمة، قائلا إنه كان يتوقع منى أن أكون حياديا، وفوجئت بأن عددا من القراء يشاركون صديقى فى هذا اللوم، نظرا للاعتقاد الشائع لدى البعض أن كاتب الرأى ي...فترض به أن يعبر عن آراء القراء، مع أن كاتب الرأى لا يفترض به أبدا أن يكون حياديا بل يجب أن يكون منحازا لموقف ما فى جميع القضايا المطروحة، تاركا للقارئ حق الاقتناع برأيه أو رفضه أو حتى لعنه.
أيوه، أنا أحب الدكتور محمد البرادعى، وأؤيده كمرشح رئاسى ليس لأنه لعب دورا فى اندلاع الثورة لا ينكره إلا جاحد، فالثورة أكبر وأعظم من أن تُنسب إلى شخص أو إلى جيل أو حتى إلى ميدان بعينه، بل أؤيده لأننى أرى أنه يمكن أن يقدم الكثير لمصر من خلال المشروع الحضارى الشامل الذى يمتلكه، وبفضل رؤيته العالمية التى يمكن أن تضع مصر فى المكان الذى يليق بها، لأننى أعتقد أن جزءا من خلاص مصر يكمن فى أن يتخلى قادتها عن محليتهم المفرطة ورؤيتهم الضيقة.
بالطبع من حقك أن تختلف معى حول رؤيتى للبرادعى ومشروعه، من حقك أن تكرهه أو تعارضه وتنحاز لأى مرشح رئاسى آخر، خاصة والساحة أصبحت ملأى بالمرشحين الرئاسيين المحترمين والحمد لله.
من حقك أن تعتبر إقامته خارج مصر لفترة طويلة عيبا ينتقص منه، مع أننى أراه ميزة تحسب له لأنها تجعله قادرا على رؤية مشاكلنا بشكل مختلف ربما كنا أحوج إليه الآن.
من حقك أن تراه فاقدا للجاذبية والكاريزما، مع أن ذلك تحديدا ما يشدنى إليه أكثر من كل مرشح يمتلك جاذبية ربما فرحنا بها الآن وبكينا بسببها غدا عندما تصنع منه الجماهير طاغوتا جديدا.
من حقك أن توجه أى اتهامات موضوعية للرجل، لكن ليس من حقك أن تصيب هذا الرجل بجهالات ظالمة ترددها دون أن تتبين من مصدرها أو تناقشها قبل أن تتبناها، كأن تردد مثلا أنه لعب دورا فى تدمير العراق، مع أنك لو دخلت إلى شبكة الإنترنت وبذلت بعض المجهود لوجدت نصوصا مصورة ومترجمة تعرض مواقف الرجل المشرفة التى وقف فيها ضد الجبروت الأمريكى وقفة أكسبته احترام العالم المتقدم الذى لا يؤمن بالعنعنة والإشاعات، أو أن تردد ما يقوله بعض المغرضين عن كون البرادعى جزءا من مخطط إسرائيلى لحكم مصر، مع أنك لو بحثت فى مواد الصحف الإسرائيلية المترجمة عن العبرية لعرفت أن إسرائيل ربما تكون مرتاحة أكثر لمرشح رئاسى يشيع البعض أنه عدو إسرائيل، لن أقول لك اسمه، ابحث بنفسك واعرفه،
هنا تحديدا أدعوك لقراءة ما أرسله لى الباحث المصرى الذى يدرس الماجستير الآن فى الولايات المتحدة الدكتور على سامى مجاهد عن رأى فى الدكتور البرادعى أعلنه مثقف شهير معاد للصهيونية، وهو واحد من أعدى أعداء إسرائيل فى العالم، لعلك تستفيد منه بعض الشىء وأنت تبنى رؤيتك للرجل، ولعلها تكون فرصة لكى تحاول البحث عن إجابات بنفسك لجميع الأسئلة التى قد تثور فى ذهنك بعد قراءة هذه الرسالة.
يقول الدكتور على سامى مجاهد فى رسالته: «الغرض من كتابة هذه السطور هو نقل ما سمعته وتناقشت فيه مع الدكتور نورمان فنكلستين، قد يتهمنى البعض بأنى أروج للدكتور البرادعى فى صراع رئاسة الجمهورية، ولكنى أؤكد أن هذا ليس غرضى الأساسى هنا، وإنما غرضى هو توصيل وجهة نظر ورؤية أحد أهم العلماء والمناضلين فى العالم فيما يتعلق بمسائل الشرق الأوسط السياسية بصفة عامة، والصراع الإسرائيلى الفلسطينى بصفة خاصة.
ونورمان فنكلستين، لمن لا يعرفه، هو أستاذ علوم سياسية يهودى، أُحرق والداه وكثير من أفراد عائلته فى الهولوكوست، وعلى الرغم من ذلك فـهو من أكثر المدافعين عن القضية الفلسطينية فى العالم، ويؤكد دائما أن ما حدث لعائلته يحتم عليه أكثر أن يكون ضد الإرهاب الذى تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى، على حد قوله، وفى هذا السياق، أعتقد أن هذا الرجل من المؤكد أنه قدم للقضية الفلسطينية أكثر كثيرا من الكثير من العرب والمسلمين فى آخر عشر سنوات على الأقل. هذا المقطع أحد المقاطع المعبرة عما أقول هنا:
...
وقد كنت محظوظا أن حضرت محاضرة له هنا فى جامعة جورجيا تك (حيث أدرس للحصول على الدكتوراه)، بل كنت محظوظا أكثر أن أتيحت لى الفرصة للتحدث مع الرجل لمدة حوالى نصف ساعة.
أما عن المحاضرة فقد كانت محاضرة رائعة، لخص فيها رؤيته المنطقية للغاية للصراع الإسرائيلى الفلسطينى خلال آخر أرْبع سنوات، وعلى الرغم من أهمية ما قاله ﺇلا أنه ليس الغرض من هذا المقال، ولكن استوقفنى شىء قاله، وكان محور حديثى معه بعد المحاضرة، وهو ما أردت أن أشرككم معى فيه هنا. فقد قال الدكتور فنكلستين أثناء تحليله لمستقبل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى إنه يرى أن أكبر تهديد لإسرائيل حاليا خصوصا فى خضم الثورات العربية هو وصول الدكتور البرادعى للسلطة فى مصر قائلا بالنص فى محاضرته «البرادعى لمن لا يعرفه هو الرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية، وهو نفس الشخص الذى وقف بمنتهى الشجاعة أمام الولايات المتحدة ﺇبان محاولاتها أخذ الشرعية الدولية لغزو العراق، وقال إنه ليس هناك أى دلائل لوجود أسلحة دمار شامل هناك.
هذا الرجل أنا أعرفه جيدا وأعلم أنه بالإضافة إلى أنه سياسى محنك، هو شخص ذو مبادئ ومستقل، وقد كان ذلك أيضًا واضحاً فى تصريحاته أثناء اشتراك مصر فى محاصرة غزة. لذلك فوصوله للسلطة فى مصر سيعطى مصر الاستقلالية، التى ستجعلها تقف دبلوماسيا ضد مصالح إسرائيل، وهذا آخر شىء يريدونه هناك. فـإذا أضفنا البرادعى مع حسن نصرالله نجد إسرائيل فى موقف خطير لم يحدث لها من قبل فى السنوات الأخيرة على الأقل.
ولكن دعونى أؤكد مرة أخرى، طريقة نصر الله تختلف تماما عن البرادعى، حيث يؤمن الأول بما يسميه المقاومة المسلحة، بينما الآخر سياسى محنك يؤمن بالمواقف الدبلوماسية الاستقلالية والديمقراطية الشعبية، وهذا اختلاف واضح بينهما، ولكن لا ينفى أنهما يشتركان فى كونهما تهديدا لمصالح إسرائيل».
الحق أننى على الرغم من أن كلامه أسعدنى بمدحه فى مواطن مصرى قبل أى شىء، فإنى قد شعرت بالأسى والحزن والخزى والعار عندما قال شهادته على موقف البرادعى من حرب العراق (وهنا مفارقة غريبة، لأن الحديث لم يكن عن حرب العراق البتة، ولم يكن أساسا على مصر بأى طريقة مباشرة). قطعا تعلمون سبب حزنى، فى أن أسمع شهادة فخر واعتزاز بعالم مصرى، على بعد آلاف الأميال عن مصر من شخص أمريكى، وأرى علامات الإعجاب والتقدير على وجوه الحاضرين من مختلف الجنسيات، وفى نفس الوقت كنت قد تناقشت وقرأت من قبل وأعلم رأى الكثير من أبناء وطنى الذين لم يزالوا مخدوعين ومصدقين لصورة الرجل المضللة التى شوهها إعلام النظام البائد!!! بل لقد رحت أفكر ماذا سيكون رد فعل الدكتور نورمان وكل الحاضرين لو قلت لهم إن كثيرا من المصريين يعتبرون الرجل «عميلا أمريكيا» أو «هو اللى دخَّل أمريكا العراق»، على حد قولهم، وغيرها من الاتهامات السخيفة والمستفزة.
المهم أننى حاولت، بعدما سمعت كلامه هذا، أن أتناقش معه بعد المحاضرة، وقد نجحت فى ذلك كما وضحت سابقا، فبعدما شكرته على محاضرته، وعرّفته بنفسى، سألته عن رأيه فى البرادعى بالتفصيل، فقال: «الحقيقة أن البرادعى من أكثر الشخصيات التى عرفت احتراما، هو سياسى محنك، بارع فى المفاوضات، لديه عزة نفس، وثبات على المبادئ غير عادى، أعتقد أنه قادر على قيادتكم للريادة والتقدم بكل تأكيد، بالإضافة إلى أنه من المؤكد أن يعيد عزة النفس والكرامة المصرية التى أهدرت مع الأسف، ولكن دعنى أسألك أنا بما أنك تبدو لى متابعا جيدا وشابا متحمسا: ماذا ترى من فرص الرجل فى الفوز فى الانتخابات؟»، رددت قائلا إننى حتى هذه اللحظة، مع الأسف، أرى فُرصه ضعيفة بسبب تشويه إعلام النظام البائد لصورته بالإضافة لجهل غالبية المصريين بحقيقة الرجل التى تفضلت سيادتك بتوضيحها، أيضًا فإن بعض المصريين يرونه غير ملم بأحوال مصر، مع اختلافى معهم بالطبع،
فرد الرجل قائلا: «هذه خسارة بكل تأكيد، لأنى على الجانب الآخر أستطيع أن أؤكد لك أن الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية ستفعلان كل ما بوسعهما لضمان عدم وصول هذا الرجل للحكم، بل إنى أجزم لك أنهما تلعبان من وراء الستار الآن مع بعض قياداتكم وآخرين من أجل الغرض نفسه»، سألته: «هل تعتقد هذا فعلا، أم أنك تبالغ قليلا؟» فـرد قائلا: «قطعا، بل دعنى أزيدك، لو أن الولايات المتحدة خُيّرت بينه وبين الإخوان المسلمين فسيختارون الإخوان بلا تردد، وأنا بالطبع أعلم أن الإخوان لن يقدموا مرشح رئاسة، ومستبعد أن يصلوا للحكم هذه المرة على الأقل، لكنى أقول لك ذلك للتوضيح».
سألته بعد ذلك: «ما رأيك لو تولى عمرو موسى، الأمين ال....»، قاطعنى فورا قائلا بحدة: «عمرو موسى، أو أى شخص له علاقة بجامعة الدول العربية من قريب أو بعيد، لا يصلح لأى شىء، وسوف أكون حزينا لكم ولقضايا المنطقة لو حدث ذلك، دعنى أقل لك بوضوح أكثر، عمرو موسى الشىء الوحيد الذى سيجعله يختلف قليلا عن مبارك هو أنه أصبحت هناك إرادة وحراك سياسى شعبى فى مصر، سيمنع أى استبداد شبيه بعصر مبارك. كلامى هذا ينطبق أيضًا على أى اسم من النظام السابق، وأعتقد أننا جميعا رأينا موقف موسى المتخاذل للغاية أيام حصار غزة، والذى كان يستطيع فعل شىء بخصوصه!».
بقى أن أذكر أن الرجل كان ملماً بالوضع والتطورات عندنا فى مصر بشكل فاق حدود تصورى، فقد سألنى مثلا: «ماذا حدث اليوم بالمناسبة؟ هل نجحت دعوة شباب الثورة لمليونية التطهير؟» (حيث كان اللقاء فى مساء الجمعة يوم الأول من أبريل)، وغيرهما من الأسئلة المتفحصة (وكان فى الحقيقة يسمعنى باهتمام وتواضع أبهرنى أيضًا)، أُشهد الله أننى اجتهدت قدر استطاعتى فى نقل كلام الرجل بدقة وصدق.
وفى النهاية، أختم بأكثر ما أسعدنى مما سمعت منه حيث قال لى ما ترجمته هنا إلى العامية «تعرف أنا بقالى 15 سنة بادّى محاضرات زى دى، وكنت بقابل عرب كتير جدا، بس للأسف نادرا جدا ما كنت بقابل مصريين، إنما بعد ثورتكم، فى آخر كام محاضرة لى، لاحظت تواجد قوى ومكثف للمصريين واهتمام واضح منهم، أنا سعيد لأنى حاسس إن العزة رجعت لكم، تهنئتى لكم يا مصريين