ابن لادن.. الشخص والقضيةأ.د. ناصر العمر
[b]كان الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة ابن لادن بمثابة عرس شارك في قرع طبوله سائر القوى الصليبية واليهودية والصفوية وتيارات التغريب، وصورت أبواقهم أن جميع مآسي البشرية قد انتهت برحيله!!
[b]ولا ينبغي خلط تلك الشماتة المتجاوزة لشخص ابن لادن بغياب أي حزن لدى شرائح واسعة في العالم الإسلامي من رسميين ومثقفين وعوام، نتيجة تحفظاتهم على فكر القاعدة وكثير من ممارساتها.
[/b]
أما الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة فلطالما سعى إلى اختزال عدائه التاريخي للإسلام والمسلمين في تنظيم بل في شخص تمت شيطنته وفق النمط الغربي المألوف ضد كل من يبغضه الغرب حتى لو كان غربياً.
وهذه التعمية ليست عبثية وإنما لها هدف عميق هو تخدير الرأي العام الإسلامي والعالمي على حد سواء. فبأي قانون يجوز غزو دولتين(العراق وأفغانستان) وتدميرهما واحتلالهما حتى الآن بسبب شخص؟
ولعل من المفيد-قبل تفحص الإشكال المذكور بين الادعاء التضليلي والواقع الملموس-أن نفكك واقع الاغتيال ذاتها والمسكوت عنه من ملابساتها.
فحفاوة كبار القوم بها وكأنهم أتوا بما لم يأتِ به الأوائل، تثير الرثاء لأن هذا "الانتصار"سخيف كل السخف، فهم تمكنوا من قتل الرجل ونفر من حراسه، بعد عشر سنوات مضنية ، رصدوا خلالها جائزة ضخمة في بلاد شديدة الفقر للنيل منه وطاردته أقوى أجهزة الاستخبارات الغربية والإقليمية!!
[b]ويلاحظ التناقض الصارخ بين الأسلوب الهوليودي الشائع أمريكياً، وبين غياب الصور الثابتة والمتحركة، لعملية كان الرئيس الأمريكي وكبار مساعديه يتابعونها بالصور لحظة فلحظة.[/b]
[b]ولا بد من طرح سؤال حيوي عن السر وراء تكليف القوات الخاصة التي نفذت المهمة، بقتل الرجل بدلاً من محاكمته؟وذلك فضلاً عن تضارب المعلومات حول اعتقال إحدى زوجاته أو مصرعها!! أفليست المسؤولية فردية؟[/b]
ووفقاً لأحكام القانون الدولي المفصل على يد الغرب وعلى مقاس مصالحه، فإن عملية الاغتيال على يد قوات أمريكية فوق أراضٍ باكستانية تُعَدُّ انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي واستهتاراً بسيادة دولة مستقلة!!
ولا يمكن إغفال أن ذلك سوف يثير مزيداً من عداء الشعب الباكستاني للغرب الذي استهتر بسيادته في العملية المريبة فضلاً عن إطلاقها مخاوف جدية في المؤسسة العسكرية هناك حول أمن مفاعلات البلاد النووية فموقع الاغتيال لا يبعد عنها كثيراً، وما دام القتلة قد تسللوا بأربع حوامات "هيلوكوبتر" إلى مكان يبعد عن العاصمة60كيلو متراً من دون علم الجيش ولا تنبهه لدخولها فإن الأمر له ما بعده ولن يتسامح الجنرالات في قضية حياة أو موت للأمن القومي الباكستاني.
أما إلقاء جثة ابن لادن في البحر فهو خسة ونذالة غير مستغربتين من أناس عنصريين يحتقرون كل آدمي ليس من الواسب(أبيض-بروتستانتي-أنجلو سكسوني)!! وهو تصرفهمجي استفز شيخ الأزهر الذي لا يمكن اتهامه بالـ"إرهاب"ولا بالود إزاء القاعدة!!
غير أن الصلف الأمريكي لم يقف عند هذا الحد من الاستفزاز لكل ذي ضمير حر، وإنماطلع كهنة البنتاجون علينا بـ"فقه"جديد، عندما تحدثوا عن "مراسم"دينية سبقت جريمة رمي الجثة في بحر العرب، وهي تلاوة القرآن!!
[b]فإذا تجاوزنا عملية الاغتيال وما تثيره من علامات استفهام جمة، ورجعنا إلى جذور العداء بين "أقوى"دولة في العالم وبين تنظيم محدود العدد في أفقر بلد في العالم، فإننا سوف نجد أنفسنا أمام سؤال جوهري يقول:من اعتدى على الآخر؟ألم يكن الرجل يستثمر ماله في السودان فأجبروه على مغادرة الخرطوم؟[/b]
وتتعزز تلك الملاحظة الأساسية بشهادة حذيفة نجل الشيخ عبد الله عزام عن رفض ابن لادن الخوض في تناحر الفصائل الأفغانية الجهادية ورفضه مهاجمة أمريكا ما قبل عام1990م!!
وفي الضفة المقابلة (أي : ما بعد الحدث) ينهض سؤال مهم آخر، هو:هل ماتت الفكرة بموت صاحبها كما يوهم الخطاب الغربي الآن؟
إذا حددنا المقصود بالفكرة بأنها فكر تنظيم القاعدة، فإن الموت السريري للفكرة سبق مصرع مؤسسها، لأن خطيئته الكبرى المزدوجة تتمثل في استهداف المدنيين وفي استحلال دماء المسلمين، الأمر الذي أفقد التنظيم الشعبية الضرورية لتوفير حاضنة اجتماعية كافية لحمايته من المطاردة!!
أما إذا كان المقصود بالفكرة شيوع ثقافة المقاومة للغزاة والتصدي للمحتلين، فإن على الغرب أن يتذكر ما يود تناسيه من أن المقاومة الفلسطينية والكشميرية وأمثالها قائمة قبل ظهور القاعدة وسوف تستمر بعدها فكيف وضعوا كل هؤلاء في سلة "الإرهاب"؟
وهل يصدّق الغربيون حقاً أن رعايتهم للشتم الوضيع للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في ديارهم وتوفير حماية خاصة لمقترفيه في العالم هل يصدّقون أنه لا يغضب سوى القاعدة؟!!
وهل يتوقع أوباما أن كلامه المنمق يكفي لإقناع مليار ونصف مليار مسلم، بأنه يختلف عن غطرسة بوش الابن اختلافاً يتعدى الثياب والألفاظ التعامة؟
فمتى يتواضع الغرب- المستكبر عن الإقرار بظلمه وعدوانه-متى يتواضع قليلاً ليدرك إصرار أمة الإسلام على مقارعة ظلمه على امتداد قرون بالرغم من تبدل الجماعات والشخصيات التي تقود مجابهته، فالأفراد زائلون والتنظيمات ليست خالدة، لكن الشعوب باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فكيف بأمة دينها الإسلام الرسالة الخاتمة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله؟
[/b]