كيف نحفظ السنتنا
الحمد لله وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه في كل زمان ومكان، وجعلنا وإياكم منهم برحمته ومنه وكرمه إنه هو العظيم الرحمن.
اللسان ذلك العضو الصغير قد يكون سبباً لدخول صاحبه الجنة أو النار، فإن استغله الإنسان في طاعة الله وذكره؛ سلك به طريق الجنة، وإن استغله في الغيبة والنميمة وقول الزور وغيرها؛ قاده إلى النار.
اللسان هو رسول القلب وترجمانه ودليله، صغير جُرمه، عظيم خطَره.
اللسان آيةٌ سبحان مُبدعها وصانعها.
اللسان متى استقام لله جل وعلا استقامت من بعده الجوارح.
اللسان إذا حركه قلبٌ يخاف الله ويخشاه لم تسمع منه إلا طيباً.
اللسان إذا أُطلق له العنان هوى بصاحبه في دركات الجحيم والنيران.
احذر لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان
اللسان ما هو إلا كلمات، فالكلمة مسؤولية لابد أن نعي كيف نتعامل معها، فرب كلمة نابية أدت إلى خصومة، ورب كلمة جافية فرّقت شمل أسرة، ورب كلمة طاغية أخرجت الإنسان من دينه، والعياذ بالله، ولكن رب كلمة حانية أنقذت حياة، ورب كلمة طيبة جمعت شملا ً، ورب كلمة صادقة أدخلت إلى الجنة، جعلني الله وإياكم من أهلها، وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة واللفظ للبخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً يرفعه الله تبارك وتعالى بها درجات، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان فيمن قبلكم رجلين كان أحدهما صالحا وكان الآخر مسيئاً، فكان الرجل الصالح يأمر هذا وينهاه، فلما طال الأمد قال: والله لا يغفر الله لك، فقبضهما الله، فأوقف هذا بين يديه، وقال: من يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان، قد غفرتُ له وأحبطتُ عملك». [أخرجه مسلم]، قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته.
كل كلمة تخرج من هذا اللسان لا تذهب أدراج الرياح،بل هي مسجلة مقيدة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها،قال تعالى: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» [ق:18].
إن جميع الأعضاء يدور صلاحها على صلاح اللسان، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان -أي تذل وتخضع له- تقول له: اتق الله فينا، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا»[حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1962)].
كيف نحفظ ألسنتنا
أما كيف نحفظ ألسنتنا، فلا شك أن هذا الأمر فيه عسر، ويحتاج إلى أمور منها:
الوسيلة الأولى: أن يزن الإنسان الكلام قبل أن يخرجه، فإن وجد أن الكلام له قاله، وإن وجد أن الكلام عليه تركه، هل هو حسن أم قبيح، لك أم عليك؟ فإن كان حسناً قاله، وإن كان خلاف ذلك تركه، وإذا شك فيه فليدعه أيضاً، لأن السلامة أولى.
الوسيلة الثانية: أن يحاسب الإنسان نفسه على ما مضى، فكلما قال الإنسان قولاً، أو تكلم في مجلس، أو نطق بكلمة، فليرجع إلى نفسه، يجعل على نفسه حسيباً ينظر، ماذا أردت بهذه الكلمة؟ هل كانت حسنة أو غير حسنة؟ ربما كان غيرها أحسن منها، حتى يعود نفسه، ويصحح ويستفيد من أخطائه.
الوسيلة الثالثة: أن يتخذ له صاحباً يحصي عليه عيوبه، فاجعل لك زميلاً أو صاحباً من أصحابك الذين تثق بهم، يحصي عليك وينبهك، على ما قد يبدر منك من خطأ، أو زيادة في القول، أو تسرع أو ما أشبه ذلك.
الوسيلة الرابعة: أن يعوِّد الإنسان نفسه على القول الطيب، وكثرة الكلام الحسن، فعن عبد الله بن بشر أن رجلاً قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتثبت به؟ قال: «لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله» وقال جل شأنه: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء:53].
فعوّد نفسك كثرة الذكر، والاستغفار، والكلام الطيب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يصبح عادةً لك.
الوسيلة الخامسة: وهي أن يراقب الإنسان ربه، ويتذكر قول الله عز وجل: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف:80].
ولذلك قال بعض العارفين: «إذا تكلمت فاذكر أن الله تعالى يسمعك، وإذا سكت فاعلم أن الله تعالى ينظر إليك ويراك، وبذلك لا يتكلم الإنسان إلا في خير».
فلنتق الله، ولنلتزم تعاليم الإسلام، ونتأدب بآداب أهل الإيمان، ولنحفظ ألسنتنا عن الحرام، فمن وُقي شر لسانه فقد وُقي شراً عظيماً، ومن استعمل لسانه في الخير والطاعة والمباح من الكلام وُفّق للسداد والكمال، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.