المبادئ والقيم الإعلامية في القرآن الكريم والسنة النبوية

يعتبر القرآن الكريم وسيلة إعلامية عظيمة تنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبلغ أمر ربه _سبحانه وتعالى_ وحملت هذه الوسيلة معاني ومبادئ سامية, تحتاجها الأمم لتسير عليها لذلك لابد من التعامل مع كل آية من آيات القرآن والسنة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, والنظر في قيمها ومبادئها الإعلامية الهادفة, وتمثلت هذه في قول الله سبحانه وتعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"(

المبدأ الأول: التحقق من المادة الإعلامية قبل نشرها:

ورد هذا جلياً من قول الله_ سبحانه وتعالى_ في سورة الحجرات "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"
قيل إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق, فلما أبصروه أقبلوا نحوه فهابهم فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً إياه أنهم ارتدوا عن الإسلام، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وأمره أن يتثبت ولا يعجل، فانطلق خالد حتى أتاهم ليلاً، فبعث عيونه فلما رجعوا أخبروه أنهم متمسكون بالإسلام، وسمعوا آذانهم وصلاتهم, فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذكروه, فعاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (التأني من الله والعجلة من الشيطانأوضحت الآية الكريمة قبول خبر العدل بمفهوم المخالفة وهو عدم قبول خبر الفاسق حيث ينبغي التثبت من هذا الخبر، لأن الخبر أمانة والفسق يبطل هذه الأمانة.

وقد مثل الوليد بن عقبة في هذه الآية ركناً من أركان العملية الإعلامية, كونه مرسلاً من النبي صلى الله عليه وسلم الذي مثل ركناً آخر وهو المستقبل حيث كان ينبغي أن يتلقى النبي صلى الله عليه وسلم الرسالة المنقولة لكن كان المانـع من التلقي هو الفسق وهو كذب الوليد, وقام النبي صلى الله عليه وسلم بالتثبت من الخبر بإرسال خالد بن الوليد؛ لأن المسلمين ليس كلهم عدول فينبغي للمتلقي التثبت من الأمر حتى لا تصيب الجهالة من ورد في حقهم الخبر بالتماس البينة حيث أن تلقي الخبر بالقبول يعتبر حكماً تتعلق به حقوق للآخرين.

حكم رواية مجهول الحال: امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر وقبلها آخرون للأمر بالتثبت عند خبر الفاسق غير محقق الفسق لأنه مجهول الحال ).

ومن هذا يستدل أن نسبة الخبر أو المادة الإعلامية إلى جهة غير معلومة وموثوقة تحديداً فإن ذلك يقدح في صحتها وعليه لا ينبغي ذكر كلمة من مصدر مجهول إلا أن يكون لدى الجهة الناقلة علم بماهية المصدر وإن لم ترد الإفصاح عنه للجمهور ولكن قد تستدعي الحاجة ذكر هذا المصدر فينبغي أن يعلم.

ووضعت السنة المطهرة ضابطاً لنشر الخبر بتجنب الكذب من خلال حديث المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه الذي قال: (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع
قال النووي أن الإنسان يسمع في العادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع

فقد كذب لإخباره بما لم يكن، والكذب الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو ولا يشترط

فيه التعمد.(
لأن ليس كل ما يسمع يكون صدقاً لمخالطة الكذب أحياناً ويلحق الإثم بالإنسان المتحدث إذا لم يتوخ الدقة في المصدر ونسبته() لأن الإثم هو الوقوع في الذنوب.وقد قال صلوات ربي وسلامه عليه:"البر حسن الخلق والإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الغير"( )

المبدأ الثاني: العودة إلى جهة الاختصاص قبل نشر المادة الإعلامية:

يقول الله تعالى: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاّ قَلِيلاً
وجه الدلالة:تذكر الآية الكريمة الأمن ونقيضه ألا وهو الخوف، فأمر الأمن متعلق بظفر المسلمين بعدوهم وتمكنهم منه والخوف يشير إلى تمكن العدو من المسلمين، مثل هذه الأحداث كانت تدفع بالمسلمين تجاه الحديث في القضية وإفشائها, وكان يقع الحديث من ضعفة المسلمين الذين كانوا يفشون أمر رسول الله ظانين أنه لا شيء عليهم، وكان التوجه للمسلمين بعدم الحديث حيث قال المولى: "وَلَوْ رَدُّوهُ "أي لم يحدثوا به ولم ينشروه حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحدث به ويفشيه, أو غيره من أولى الأمر وهم أهل العلم والفقه أو الولاة أو المجتهدون لأن أهل الاستنباط هم أهل الاجتهاد
وينطبق الأمر هنا على كل مصدر إعلامي سواء كان الناشر فرداً أو جماعةً

أو محطةً أو إذاعةً, فالرجوع لجهة الاختصاص قبل نشر المادة الإعلامية أياً كانت هذه الجهة من الأهمية بمكان درءاً للخلل.

المبدأ الثالث: الصبر وحسن المعاملة والجدل بالتي هي أحسن:

قال تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"(
وجه الدلالة:تذكر الآية قيمة إعلامية يرسخها القرآن الكريم, ومبدأ إعلامي رفيع يدعو إلى اللين والتلطف في مخاطبة الآخرين دون جرح للمشاعر وانتهاك للخصوصية والحقوق, إضافة إلى نوعية الحوار والجدل حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من ترك الكذب وهو باطل بنى له قصر في ربض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق بنى له في وسطها، ومن حسن خلقه بنى له في أعلاها)( 13).

وفي سياق آخر يقول الله _عز وجل_ في سورة العنكبوت: "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ").

وجه الدلالة : يوضح السياق القرآني أن الجدل على ضربين, ينبغي للإنسان أن يختار منهما الممدوح وهو ما يستخدم في تقرير الحق ويبتعد عن المذموم وهو ما يقر الباطل(
والجدل الصائب وهو المناظرة يخالف المكابرة التي تحمل على الخصام, وقد ذكر القرآن الكريم في سورة غافر قول الله تعالى: "وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ") فهذا التقسيم والجدل الصائب الذي أراده الرجل المؤمن إنما ليمنع التعرض لموسى عليه السلام بالأذى وعدم قتله.

فالصورة تحمل أحد وجهين: الصدق وهو ما يعود بالنفع والفوز والنجاة على الجميع وإن كان غير ذلك فإن الضرر لا يعود على الناس وهذا ما ينبغي أن يحمله الإعلام من إقناع عقلي بالصواب(
وراعى الجدل الصائب الطبائع النفسية وهو إثبات الأمر بإبطال نقيضه ومثاله قوله تعالى: "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً"

حكم الجدل:

مما سبق يمكن القول أن أمر الجدل يرجع إلى القصد منه، فإن كان صائباً ويصل بالإنسان إلى الهدى والصواب ويدحض الباطل والشبهة فهو جائز وإن كان لرد الحق وتغليب الباطل فهو محرم.

ويذكر الطبري في تفسيره للآية أن الجدل بالتي هي أحسن يكون بالإعراض عن الأذى الذي يلحق بالفرد).

ويذكر ابن تيمية رحمه الله أن الدعاء إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن واجب على المؤمنين كما أمر بها المرسلين مستدلاً بقوله عز وجل "يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا" ( ومثل هذا قد يكون واجباً أو مستحباً وليس بمذموم في الشرع

المبدأ الرابع: الموضوعية:

ويقصد بها إدراك الأشياء على ما هي عليه دون أن يشوبها أهواء أو مصالح أو تحيز,فهي تتنافى مع الكذب والخداع ومرجو منها أن تكون في إبراز الحقيقة وتمييزها عن الوهم.

يقول المولى سبحانه: "فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"(
وهذا ما ينبغي أن يراعيه صاحب الرسالة الإعلامية _المرسل_ حيث عليه أن يتوخى الحق ويبين حقيقته بعيداً عن التهويل والانحياز, وأن يأتي بما يملك أدلة قطعية عليه، وتتجلى موضوعية الإعلام بنقله الحقيقة بصدق؛ لأن رسالته إيجابية ومرسله ملتزم قال صلى الله عليه وسلم : (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر ...)().

أسباب الموضوعية):

‌أ- الإيمان: فالمؤمن يلزم الحق ولا يزيد عليه أو ينقص منه, ولا يغير فيه.

‌ب- الرسالة: من عند الله تعالى وهي تحمل العقيدة والتشريع والآداب فقد قال صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)( هذا فيما يتعلق بالتشريع أما ما يتعلق بالأمور الدنيوية فعلى المرسل أن يتوخى الحق وبيانه بعيداً عن التهويل والانحياز ودين المرسل هنا يمنعه من الاختلاق أو التبديل أو التغيير؛ لأن هذا يعتبر كذباً والله سبحانه توعد المكذبين بقوله عز وجل: "فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ"(
‌ج- حسبة لله: فلا يدخل الميل أو الهوى؛ لأنه ينقل الحقيقة بصدق, لأن رسالته إيجابية ومرسله ملتزم والمستقبل يتلقى بضابط بعيد عن الدعاية, وهي التأثير في الآخرين بغض النظر عن حقيقة ما تكون الدعاية له.

حكم عدم الموضوعية:

قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" فالكذب محرم ولا يصلح منه جد ولا هزل( 28) والتحريم للمفسدة والكذب مفسدته ذاتية فهو بجميع صوره وأشكاله حرام ولكن في المعاريض مندوحة عن الكذب وهنا يدخل شيء منه تحت باب الجواز لتحقيق مصلحة دون مضرة الغير. وقد رأى بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب على ما ورد به النص في الحديث، ولكن جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دو ن مضرة للغير حيث يقول ابن الجوزى ما نصه: و ضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحاً، وإن كان واجباً فواجب.

وقال ابن القيم : يجوز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج ابن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب.
وعليه فإن الإعلام إذا استخدم المعاريض يمكنه أن يبتعد عن الكذب وعدم الموضوعية أما ما كان به توصل للحقوق دون أذى فيمكن أن يكون بحسب الضابط الذي وضعه ابن الجوزى تحقيقا لمصالح المسلمين(

المبدأ الخامس: الدقة والواقعية:

قال تعالى: "وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاّ كُفُوراً"
وجه الدلالة: أشار القرطبي في تفسير هذه الآية إلى أن القرآن الكريم عرض لأهل مكة الحق وعرض لهم الأمثلة( ) وكانت هذه الأمثلة لتقريب الصورة بدرجة كبيرة من الحقيقة الواقعة, فكان التجسيد حيناً والرمزية أحياناً, كي يترك للمستمع التفكير في هذه الآيات ويجيد تصور المواقف، فلم يكن اهتمام القرآن بالمصور والممثل به, وإنما كان الاهتمام بتقريب الصورة في النفس, ليحقق قدراً من التأثير في النفس حيث يكون الترغيب أحياناً والترهيب أخرى.

المبدأ السادس: الثقة بالإنسان واحترام العقل:

يتعامل الخطاب القرآني مع الإنسان بثقة ويمنحه إرادته الحرة بما لا يتنافى مع نواميس الشريعة والكون, فقد قال الله سبحانه وتعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً
وجه الدلالة :يشير القرطبي في تفسيره إلى أن الكرم هو نفي النقصان, من حيث الهيئة وحسن الصورة وتحمل الإرادة وكرامة النطق والتمييز والفهم؛ لأن العقل مناط التكليف وهو أساس في التفضيل على كثير من الخلائق
وتجلى احترام الإعلام القرآني للعقل الإنساني في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله عز وجل في سورة القلم: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ") حيث اعتبرت هذه شهادة ثقة متميزة للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن له الحظ الأوفر من كل خلق محمود، حتى ارتقت هذه الثقة في حق النبي صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه وتعالى في سورة التوبة: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ"().

وأشار إلى ذلك القرطبي في تفسيره موضحاً أن هذا الرسول من البشر ومن العرب ومن بني إسماعيل ومن أنفسكم فيه مدح للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا ما أكده صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم
واهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين وأشغله شأنهم بحرصه أن يدخلوا الجنة).

وأخذ الخطاب الإعلامي القرآني صورة تصحيحية إذا تعلق بأمر سلبي مثل ما ورد مع النبي صلى الله عليه وسلم في حق ابن أم مكتوم في سورة عبس بقوله عز وجل: "عَبَسَ وَتَوَلَّى " أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى " وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى"() فقد كان تصرف ابن أم مكتوم سلبياً مع النبي لعدم انتظار فراغه صلى الله عليه وسلم من محادثة من كان يرجو إسلامهم، ولكن الله تعالى عاتبه حتى لا تنكسر قلوب أهل الصفة، أو ليعلم أن المؤمن الفقير خير من الغني, وكان النظر إلى المؤمن أولى, واستخدم الخطاب القرآني صيغة الماضي مع النبي صلى الله عليه وسلم بقوله عبس وتولى ولم يقل عبست وتوليت ولفظ الأخبار عن الغائب نوع من التعظيم
وبرز احترام العقل والثقة بالمؤمنين في قوله سبحانه وتعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً " وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً " وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً")، أي أن هؤلاء يسيرون بسكينة ووقار ولا يفسدون في الأرض وقولهم سديد(لذا يمكننا القول أن الرسالة الإعلامية الحقة هي التي تقوم على احترام العقل وهو أحد الضرورات الخمس التي تقوم الشريعة على حفظها فلا ينبغي الاستهتار والاستخفاف

بها وخاصة باستخدام الشعارات البراقة مثل الإرهاب والتطرف وحقوق المرأة وعبارات لا تتوافق مع الواقع الموصوف لأن في استخدامها استخفاف بالعقل وهذا يخالف المقاصد التي تقوم عليها الشريعة الإسلاميةالمبدأ السابع: إعلام نزيه:

فقد روى ابن هشام في سيرته أن وفداً من قريش مشى إلى أبي طالب وقالوا له: "إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافة، فنكفيكم. فقال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً، وردهم رداً جميلاً فانصرفوا عنه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان منه وعاودت قريش إلى أبي طالب فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنا وشرفاً ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا, وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين، ثم انصرفوا، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعدوانهم، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله لهم ولخذلانه، فبعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا فأبق عليُ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر مالا أطيق, فظن رسول الله أنه بدا لعمه منه بداء وأنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه فقال: يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه

ما تركته. قال: ثم استجد، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكى ثم قال: فأقبل عليه فقال اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبداَ( 44).

ويستدل من هذا الموقف على أن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض شرط القوم و لم يخضع لابتزازهم وبالتالي دعم موقف الرسول بقول ما يحب رغم ما قد يلحق به,دعما للنزاهة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

» مشاهد وعبر في القرآن والسنة
» تساؤلات , ودرء شبهات حول القران الكريم ( مصادر القرآن الكريم )
» مصر في القرآن الكريم
» القرآن الكريم
» مصر فى القرآن الكريم