حياة القلوب و سلامتها
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد
فإن الله تبارك وتعالى جعل لكل إنسان قلبًا، إذا سعى الإنسان في إصلاحه؛ صلح جسده وعمله، وإذا فسد القلب؛ فسد الجسد والعمل، وخسر صاحبه الدنيا والآخرة ولذا قال الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ رضي الله عنه مَا آمَنُ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ يَقُولُ «لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَسْرَعُ تَقَلُّبًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلَيَانًا» الحاكم وصححه الألباني، انظر حديث رقم في صحيح الجامع
أقسام القلوب
قال الله تعالى أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ الحديد
وقال تبارك وتعالى ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ البقرة
وقال تعالى لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ الحج ،
من خلال عرض الآيات السابقة نرى أن قلوب العباد تنقسم إلى ثلاثة أقسام
قلب صحيح سليم
وقلب سقيم مريض
وقلب ميت قاسٍ
فالقلب الصحيح هو السليم الذي صارت السلامة صفةً ثابتة له، قد سلم من كل شهوةٍ تخالفُ أمر الله ونهيه، ومن كل شبهةٍ تُعارض خبرَه
فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله ، وسلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجهٍ ما
بل قد خلصت عبوديته لله تعالى إرادةً ومحبةً، وتوكلاً وإنابةً، وخشيةً وإخباتًا وخوفًا ورجاءً، وخلص عمله لله، فإن أحبَّ؛ أحب في الله، وإن أبغض؛ أبغض في الله، وإن أعطى؛ أعطى لله، وإن منع؛ منع لله، ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسول الله
فهذا أزكى القلوب، وهو القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به وصدق ربنا يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الشعراء
والقلب الثاني القلب الميت الذي لا حياة به، فهو لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره وبما يحبه ويرضاه
بل هو واقف مع شهواته ولذاته، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته وحظه؛ رضي ربه أم سخط، فهو متعبد لغير الله حبًّا وخوفًا ورجاءً، ورضًا وسخطًا، وتعظيمًا وذلاً إِنْ أحب؛ أحب لهواه وإن أبغض؛ أبغض لهواه وهواه أحب إليه وآثر عنده من رضا مولاه
فالهوى إمامه والشهوة قائده والجهل سائقه والغفلة مركبه والسيئات تجارته والمعاصي بضاعته والمحرمات سلعته
لا يستجيب لداعٍ ولا ناصح، ويتبع كل شيطان مريد من الإنس والجن، فهذا أخبث القلوب وأنجسها وأركسها كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ غافر
والقلب الثالث قلب له حياة وبه علة، فهو السقيم المريض
فله مادتان تمدّه هذه مرة وهذه أخرى، وهو لما غلب عليه منهما؛ ففيه من محبة الله تعالى، والإيمان به، والإخلاص له، والتوكل عليه، ما هو مادة حياته ونجاته وفيه من محبة الشهوات وإيثارها، والحرص على تحصيلها، والحسد والكبر والعجب، وحب العلو والفساد في الأرض بالرياسة، والظلم، ما هو مادة هلاكه وعطبه
وهو ممتحن بين داعيين
داعٍ يدعوه إلى الله والدار الآخرة، وداعٍ يدعوه إلى العاجلة، وهو إنما يجيب أقربهما منه بابًا، وأعلاهما صوتًا، وأكثرهما حضورًا
وهذا المريض؛ إن كان له مذكِّر؛ فهو إلى السلامة أدنى، وإن لم يكن له مذكّر؛ فهو إلى العطب أدنى، وهو صيدٌ لمن يسبق إليه
فالقلب الأول حَيّ مُخْبت واعٍ ليّن، والثاني يابس ميت، والثالث مريض
وقد جمع الله بين هذه القلوب الثلاثة في قوله سبحانه لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ الحج ،
فالقلب الصحيح السليم ليس بينه وبين قبول الحق ومحبته وإيثاره سوى إدراكه، فهو الإدراك للحق، ثم الانقياد له والقبول
والقلب الميت القاسي لا يقبل الحق ولا ينقاد له
والقلب المريض إن غلبت عليه صحته؛ التحقَ بالقلب السليم، وإن غلب عليه مرضه؛ التحق بالقلب الميت القاسي فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ البقر
وكل ما يلقيه الشيطان في الأسماع من الألفاظ وفي القلوب من الشُّبَه والشكوك فتنةٌ لهذين القلبين وقوةٌ للقلب الحي السليم ؛ لأنه يرد ذلك ويكرهه ويبغضه ويعلم أن الحق في خلافه
ويستدل على معرفة ما في القلوب بحركة اللسان، فإن القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتُها مغارفُها
فلسان المرء يغرف لك من قلبه ما بين حلو وحامض وعذب وأجاج وحار وبارد وطيب وخبيث وحسن وقبيح وحق وباطل وخير وشر
فالقلب السليم هو الذي سَلِمَ من الشرك والغلّ ومن الحقد والحسد ومن الشحّ والبخل ومن الكِبْر والعُلو ومن حب الدنيا وحب الرياسة
فسلم من كل آفة تبعده عن الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبره، وسلم من كل شهوةٍ تعارض أمره، وسلم من كل إرادة تزاحم مراده، وسلم من كل قاطع يقطع عن الله والدار الآخرة
ولا تتم له سلامته مطلقًا حتى يسلم من خمسة أشياء
من شرك يناقض التوحيد ومن بدعة تخالف السنة ومن شهوة تخالف الأمر ومن غفلة تناقض الذكر ومن هوى يناقض الإخلاص
وهذه نماذج للأسرة المسلمة من الرجال والنساء يُرى فيها القلوب السليمة والقلوب التي بها علة، حينما تتداوى من علتها، وتنفعها التذكرة، فإذا هي مبصرة تلحق بالقلب السليم الحي الذي لا توقعه في المخالفة شهوة، ولا يُعارض النصوص بهوى
نماذج من القلوب الحية
أبو محجن الثقفي رضي الله عنه
عن إبراهيم بن محمد بن سعد عن أبيه قال «أُتِيَ سعدُ بن أبي وقاص رضي الله عنه بأبي محجن يوم القادسية وقد شرب الخمر، فأمر به إلى القيد، وكانت بسعد جراحةٌ فلم يخرج يومئذ إلى الناس، قال وصعدوا به فوق العذيب لينظر إلى الناس، واستعمل على الخيل خالد بن عرفطة، فلما التقى الناس، قال أبو محجن
كفى حزنًا أن تُضرَب الخيلُ بالقنا
وأترك مشدودًا عليَّ وثاقيا
إذا قُمتُ عنَّاني الحديدُ وغلقت
مصارع دوني قد تصمُّ المُناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوة
فقد تركوني واحدًا لا أخا ليا
ولله عهدٌ لا أخيسُ بعهده
لئن فُرجت ألاَّ أزور الحوانيا
أريني سلاحي لا أبا لك إنني
أرى الحرب ما تزداد إلا تماديا
وكان مقيدًا يومئذ عند زبراء أم ولد سعد بن أبى وقاص؛ فقال لامرأة سعد أطلقيني، ولك عهد الله عليَّ إن سلمني الله؛ أن أرجع حتى أضع رجلي في القيد، وإن قتلت استرحتم مني، قال فحلته حين التقى الناس ؛ فوثب على فرسٍ لسعد يقال لها البلقاء، ثم أخذ رمحًا، ثم خرج، فجعل لا يحمل على ناحية من العدو إلا هزمهم، وجعل الناس يقولون هذا مَلَك؛ لما يرونه يصنع، وجعل سعد رضي الله عنه يقول الضبر ضبر البلقاء الضَّبْر أن يجْمع الفَرسُ قوائمَه ويثبَ والبَلْقاءُ فرَس سَعْد النهاية لابن الأثير ، والطعن طعن أبي محجن، وأبو محجن في القيد
فلما هزم العدو، رجع أبو محجن حتى وضع رِجْله في القيد، وأخبرت زوجة سعد سعدًا بما كان من أمره؛ فقال سعد لا والله، لا أضرب بعد اليوم رجلاً أبلى الله المسلمين على يديه ما أبلاهم، فخلى سبيله، فقال أبو محجن قد كنت أشربها إذ يُقام عليَّ الحد وأطهر منها، فأما إذ بهرجْتَنِي؛ فلا والله لا أشربها أبدًا سنن البيهقي وسنن سعيد بن منصور
ومعنى «بهرجْتَنِي» أهدرت الحد بإعفائي
زوجة فرعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها، فكان إذا تفرقوا عنها؛ ظللتها الملائكة؛ فقالت رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ التحريم ؛ فكُشف لها عن بيتها في الجنة» مسند أبي يعلى وصححه الألباني في الصحيحة
وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ «خَطَّ رَسُولُ اللهِ أَرْبَعَ خُطُوطٍ، ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ إِنَّ أَفْضَلَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، مَعَ مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهَا فِي الْقُرْآنِ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
التحريم مستدرك الحاكم وصححه ووافقه الذهبي
وعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَام» متفق عليه
قال في عمدة القاري «وقوله ضرب الله مثلاً إلى آخره مثَّل حال المؤمنين في أن وصلة الكافرين لا تضرهم ولا تُنقص شيئًا من ثوابهم وزُلْفَاهم عند الله بحال امرأة فرعون ومنزلتها عند الله، مع كونها امرأة أعدى أعداء الله الناطق بالكلمة العظمى، وأراد بامرأة فرعون آسية بنت مزاحم؛ لما غلب موسى سحرةَ فرعون آمنت، فلما تبين إيمانها لفرعون، وثبتت عليه أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد، وألقاها في الشمس، وأمر بصخرة عظيمة فتلقى عليها، فلما أتوا بالصخرة قالت رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة؛ فأبصرت بيتها في الجنة من درة بيضاء، وانتزع الله روحها، فألقيت الصخرة عليها، وليس في جسدها روح؛ فلم تجد ألمًا من عذاب فرعون
وعن الحسن وابن كيسان رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة، فهي فيها تأكل وتشرب وآسية هي بنت مزاحم ابنة عم فرعون، وقيل إنها من العماليق، وقيل من بني إسرائيل من سبط موسى، وقال السهيلي هي عمة موسى، وكانت لها فراسة حين قالت قُرة عين لي ولك عمدة القاري شرح صحيح البخاري
أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله
في غزوة بدر أسر المسلمون أبا العاص بن الربيع، ثم أطلقه المسلمون بشفاعة النبي ؛ لما رأى عِقْدًا لخديجة أرسلته ابنته زينب لتفتدي به زوجها من الأسر، وأمره النبي أن يرسل إليه زينب بالمدينة ففعل، وأقام أبو العاص بن الربيع بمكة، وأقامت زينب عند رسول الله بالمدينة حين فرق بينهما الإسلام، حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص تاجرًا إلى الشام، وكان رجلاً مأمونًا ، بمال له، وأموال لرجال من قريش أبضعوها معه، فلما فرغ من تجارته
وأقبل قافلاً؛ لقيته سرية لرسول الله ، فأصابوا ما معه، وأعجزهم هاربًا، فلما قدمت السرية بماله، أقبل أبو العاص تحت الليل حتى دخل على زينب بنت رسول الله ، فاستجار بها فأجارته، وجاء في طلب ماله، فلما خرج رسول الله إلى صلاة الصبح، فكبّر الناس وراءه صرخت زينب من صُفّة النساء أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع؛ فلما سلم رسول الله من الصلاة أقبل على الناس، فقال «أيها الناس هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا نعم قال أما
والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم، إنه يجير على المسلمين أدناهم» ثم انصرف، فدخل على ابنته، فقال «أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلص إليك، فإنك لا تَحلِّين له» وبعث رسول الله إلى السرية الذين أصابوا المال، فقال «إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً، فإن تحسنوا وتردوا عليه ماله الذي له؛ فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم، فأنتم أحق به»، قالوا يا رسول الله، بل نرده عليه؛
فردَّوه، حتى إن الرجل ليأتي بالدلو، والرجل يأتي بالشنَّة، والإداوة، حتى إن أحدهم ليأتي بالشطاط، ثم احتمل إلى مكة، فأدى إلى كل ذي مالٍ من قريش ماله، ومن لم يأخذه قالوا كلا، فجزاك الله خيرًا، فقد وجدناك وفيًّا كريمًا، قال فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوُّف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أدَّاها الله إليكم، وفرغت منها أسلمت، ثم خرج فقدم على رسول الله مستدرك الحاكم
وفي سنن البيهقي عن عامر الشعبي وغيره، أن أبا العاص بن الربيع لما قدم من الشام ومعه أموال المشركين، قيل له هل لك أن تُسلِم وتأخذ هذه الأموال، فإنها أموال المشركين؟ فقال أبو العاص بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي
وبعد فهذه بعض الأمثلة لأصحاب قلوب حية عرفت ربها ولزمت سبيل المحسنين، جعلنا الله وإياكم منهم، ونسأل الله أن يحسن لنا الختام أجمعين، والحمد لله رب العالمين