بقلم: بدر محمد بدر
لا أعرف سببًا منطقيًّا ومقنعًا وراء التأخير حتى الآن في تنفيذ بعض مطالب "ثورة التحرير" المصرية الرائعة، وعلى رأسها حل وإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة، وإلغاء حالة الطوارئ، التي ترهبنا وتروِّعنا وتفسد علينا حياتنا منذ أكثر من ثلاثين عامًا!! هل السبب يعود إلى عدم معرفة كافية بجرائم هذا الجهاز اللعين في حق أبناء الشعب المصري؟!
إنني على قناعة كاملة بأن الممارسات الإجرامية لضباط ومنتسبي هذا الجهاز، في انتهاك حقوق الإنسان طوال العقود الثلاثة الماضية بالذات، كانت سببًا مباشرًا في زيادة السخط الشعبي العارم على النظام السابق، وزيادة الضغط الذي تراكم حتى انفجر في النهاية، وأعتقد أن حلَّ هذا الجهاز بأسرع وقت، بل ومحاكمة قياداته ومسئوليه؛ هو السبيل الوحيد لاستعادة إحساس المواطن في مصر بكرامته وحريته.
لماذا الإصرار على بقاء هذا الجهاز اللعين، رغم أخطائه الجسيمة في حق الوطن والمواطن؟! ولماذا التلكؤ في إزالة هذه المؤسسة الفاسدة، التي وَصَمَت حياة المصريين الشرفاء بالخزي والعار؟! لماذا التباطؤ في تصفية الجهاز الذي وقف بقوة وراء تزوير الانتخابات البرلمانية الأخيرة وكل انتخابات؟ ومنع تنفيذ الأحكام القضائية، وقبل ذلك أغلق معظم النقابات المهنية، وزوَّر انتخابات الاتحادات الطلابية في الجامعات، وحلَّ مجالس الجمعيات الخيرية، ودمَّر العديد من الشركات الاقتصادية الوطنية، وقبل ذلك قام باعتقال مئات الآلاف من المواطنين الشرفاء طوال الثلاثين عاما الماضية!!.
لقد استخدمت السلطة البائدة جهاز أمن الدولة في إرهاب المعارضين الشرفاء، وقهر الوطنيين المخلصين من كل الاتجاهات، وحماية الفاسدين والمفسدين من رجال الأعمال والبلطجية، ولعل التصريح الذي أدلى به الدكتور محمد بديع، مرشد الإخوان المسلمين، وذكر فيه أن المعتقلين من الإخوان فقط بلغوا ثلاثين ألفًا في السنوات العشر الأخيرة، مكثوا ما مدته (15 ألف سنة) حبسًا في السجون (بمتوسط 6 أشهر للفرد)، إضافةً إلى تخريب عشرات المؤسسات الاقتصادية الخاصة والاستيلاء على أموالها، يكشف جانبًا من المأساة التي عاش فيها هذا الوطن!.
لماذا لا تذهب عدسات التليفزيون الرسمي والقنوات الفضائية الخاصة ووسائل الإعلام المختلفة إلى مقارِّ هذا الجهاز؛ ليتعرف الشعب كيف كانت تُسحق كرامة المواطن على أيدي حفنة من معدومي الضمير، وكيف تمتلئ هذه المقارُّ بزنازين أقيمت تحت الأرض لا ترى الشمس أبدًا، ولا يعرف مَن بداخلها في أي ساعة يعيش، إن كانت هذه حياة آدمية!.
أقول عن تجربة شخصية شديدة المرارة، قاسيت منها في أثناء الانتخابات الماضية، عندما اقتحم بيتي وروَّع أولادي في الثالثة فجرًا عشرة من ضباط وجنود أمن الدولة الأشاوس المدجَّجين بالسلاح، دمَّروا وخرَّبوا واستولوا على أوراقي وكتبي، بل وأخذوا أموالي الخاصة التي أكافح في سبيل الحصول عليها، ولم أفلح حتى الآن رغم قرار النائب العام؛ لا لشيء سوى أن زوجتي "حاولت" تقديم أوراقها لمقعد الكوتة في محافظة 6 أكتوبر، ورغم أنها لم تتمكن، إلا أن ضابط "أمن الدولة" أراد أن يعلمني وأمثالي الأدب! فاقتادني الأشاوس إلى مقر الشيخ زايد، وبقيت شهرًا في المعتقل، مع الآلاف من أبناء مصر الشرفاء.
غير مقبول أن يتم تعيين رئيس جديد لمباحث أمن الدولة، كما ذكرت صحف الخميس الماضي، في الوقت الذي أجمع فيه الشعب المصري على رفض وجوده واستمراره، والمطلوب من السيد عصام شرف، رئيس الوزراء الجديد، أن يتخذ- بسرعة- هذا القرار الوطني العاجل.
أيها السادة.. لمصلحة مصر أغلقوا هذا الجهاز الفاسد إلى الأبد، وقولوا للناس بكل وضوح إنكم لن تسمحوا بعودة زوَّار الفجر، أو انتهاك الحريات وكرامة الإنسان المصري مرةً أخرى.
-------