وعجلت إليك ربى لترضى

موضوع: وعجلت إليك ربى لترضى 2013-01-20, 07:57

وعجلت إليك رب لترضى"، كلمة قالها موسى عليه السلام حين ذهب للقاء ربه

بجانب الطور بعد أن نجاه الله وقومه من فرعون وجنوده. ذهب موسى مخلفاً قومه

في صحراء سيناء مستخلفاً عليهم أخاه هارون. لم يكن قد مر على عبورهم البحر

إلا قليلاً، ولم يكن قد بعُد سؤالهم لموسى أن يجعل لهم إلهاً وثناً يعبدونه كما رأوا

قوماً على أوثان عاكفين. لكن موسى تعجل لقاء الله وخلف قومه ورائه حديثي عهد

بجاهلية ووثنية، لم يكن الإيمان قد وقر بعد في أفئدتهم ولا اطمأنت قلوبهم به. فسأله

ربه، وهو الأعلم به، ما الذي أعجلك عن قومك ياموسى، فكان جواب موسى أن

عجلت إليك ربي لترضى.

لماذا تعجل موسى. كم كان له من عذر لو لبث في قومه يعلمهم الدين ويغرس في

قلوبهم الإيمان. كم كان له من عذر حين رأى سرعة زيغهم وانفلاتهم عن صراط

الحق حين مروا بأولئك النفر الذين يعكفون على أصنامهم. كم كان له من عذر

مقبول عند ربه لو تريث في القدوم وأطال في المكوث واعتذر بما يقتضيه الحال.

لكنه كما قال استعجل إلى ربه ليرضى.

ما تلك العجلة. أهي عجلة الشوق، أم عجلة الوجل، أم عجلة الرجاء، أم عجلة

التعظيم والتوقير؟ ألم يكن الله سيرضى لو مكث موسى في قومه قليلاً. هل كان الله

سيعاتبه أو يؤنبه لو تأخر شيئاً يسيراً. ولكن أي القليل كان يكفى قبل الحد الذي

يخرجه عن مرضاة الله. وما أدراه متى ينقلب القليل كثيراً. ما الفرق بين اليوم

واليومين. وما الضرر لو صارت الأيام أسابيعاً أو شهوراً. ومتى يغلب على الظن

إنقضاء العذر أو انصلاح الحال الذي كان بسببه طول المقام. موسى لا يعلم أكان

يوم واحد من الإنتظار يخرجه عن القصد ويجوز به الحد ويوجب عليه غضب

صاحب الميعاد.

وحتى لو أمن موسى الغضب، وأنى له أن يكون ممن يأمنون غضب الله، فهل ليس

بين الغضب والرضى منازل ودرجات. إن كان بعض المكث وإصلاح حال القوم

لن يوقعه في سخط الله، فإن حق الله أعظم من تجنب السخط وتحاشي الغضب. هو

يبغي فوق ذلك، هو لا يريد أن يفوته من رضى الله شيء. إن كان بعد القبول رضاً

فلن يبطئ موسى إليه، ولو أن فوق الرضى رضاً لسارع حثيثاً إليه، ولو علم بعد

ذلك غاية من غايات الرضوان ما أمكن أن يشغله شئ دون السعي لإدراكها.

ثم هل رضى الله هين يسير؟ لعله يسير بتيسير الله، لكنه عزيز بعزة الله. لو أن

طريقين أحدهما أقرب للرضى من الآخر لحسب موسى أن أدناهما لا ينفعه وأنه لن

ينال الرضى إلا بأليقهما بعزة الله وجلاله.

لم يكن لموسى أن يبطئ، وما جاز لعبد من عباد الله أدرك من ذات الله ما أدركه

نبي الله وكليمه أن يبطئ ولو يسيراً عن ميعاد الله وإن كان له ألف عذر مقبول.

ورضا الله غاية يتسابق نحوها العارفون، وليس من شأن المتسابقين إضاعة الوقت

ولو يسيراً. ثم أنى لنفس كليم الله أن تسكن وأن تطمئن بمقام وهي تعلم أن ربه قد

واعده وأذن له بالوفود عليه، بل وفوق ذلك سيخاطبه مشافهة ليس بينه وبينه

ترجمان. هل يجوز بعد ذلك أن يتأخر العبد عن لقاء سيده. وهل يجوز أن ينتظر

رب العالمين عبده بعد أن شرفه بلقائه وكلامه. هل يغمض جفن موسى قبل أن

يحظى باللقاء ويفي بالميعاد ويوافي ربه ومولاه. إن أقل تباطؤ بعد كل هذا هو في

نظر موسى ذنب عظيم قد يحرم بعده من رضوان الله.

لكن العجلة إلى الله ليست فقط قضية زمنية. ليست قضية وقت تنتظره قبل أن تأتي

بالطاعة وتفي بالميعاد. العجلة إلى الله اختيار لما هو أليق بتوقير الله وتعظيمه.

العجلة إلى الله تغليب التعظيم على الإعتذار، وتقديم العمل على المعذرة. العجلة

إلى الله وقور لمعنى "الله أكبر" ونفاذها في القلب حتى لا يجد صاحبها شيئاً يجوز

أن يتقدم في النفس على ابتغاء رضوان الله.

عجلت إليك ربي لترضى، فلن يشغلني عنك شاغل. عجلت إليك ربي لترضى فلن

أعتذر عن لقائك بعذر. عجلت إليك ربي لترضى فلن يعظم في عيني عن حقك أي

واجب. عجلت إليك ربي شوقاً إليك وتوقيراً لجلالك ومهابة لعظمتك التي يتلاشى

جوارها كل شئ، ولا يجوز إزاءها انتظار أي شئ.

» إليك أعود يا وطني
» عودة إليك يا وطني الحبيب
» كيف تستميل قلوب الآخرين إليك
» ياصاحب الرووووح الجميلة .. إليك رسالتي ..
» لكل من يشعر بالعطش و الجوع في رمضان..إليك الحل