دبركى
الرسالة دي ظهرت لانك مش مسجل دخولك ...
لو كنت عضو معانا اضغط دخول ..
ولو لسة ماشتركتش اضغط تسجيل وهاتشترك معانا في خطوتين بس ..
ولو مش حابب تشارك معانا اضغط اخفاء واستمتع بزيارتك ..
واسفين لازعاجكـ ......


مجلس الاداره

دبركى
الرسالة دي ظهرت لانك مش مسجل دخولك ...
لو كنت عضو معانا اضغط دخول ..
ولو لسة ماشتركتش اضغط تسجيل وهاتشترك معانا في خطوتين بس ..
ولو مش حابب تشارك معانا اضغط اخفاء واستمتع بزيارتك ..
واسفين لازعاجكـ ......


مجلس الاداره

دبركى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


دبركى بلدنا بنحبها معنى الإبداع صنع الشيء المستحيل ونحن نصنع المستحيل ..(المقلدون خلفنا دائماً) من قلدنا أكد لنا بأننا الأفضل
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
اذكر الله
مشاهدة الصورة بالحجم الكامل
اعجبنى فيس بوك
اضغط هنا
لاظهار اعجابك
 بالموضوع
على صفحتنا
فى الفيس بوك


المواضيع الأخيرة
» نداء للعوده
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف احمد عرفة 2015-07-17, 08:01

» حمل المكتبه القانونيه المرجع جديد 8 ميجا فقط للقانون او الدستور المصرى
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف mantman 2014-12-01, 02:39

» العيد
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف احمد عرفة 2014-07-24, 08:46

» دعاء
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف احمد عرفة 2014-07-12, 12:03

» لتسعد
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف احمد عرفة 2014-07-12, 12:01

» كعب بن مالك .. قصه
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف هدى عمار 2014-06-17, 09:48

» النيه الحقيقيه و الغير مشروطه
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف هدى عمار 2014-06-17, 09:39

» اسطوانة تعريفات ويندوز7 من مايكروسوفت برابط مباشر لجميع الاجهزه
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف ashrefmnsy 2014-06-05, 06:22

» خزائن الله وما نتمناه منها
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف احمد عرفة 2014-03-13, 01:18

» شركة زهرة التوظيف المصري نوفر جميع العمالة من مصر
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف محمد ضافر 2014-02-17, 14:21

» ثورة
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف احمد عرفة 2014-02-13, 21:40

» عام جديد
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف احمد عرفة 2013-12-30, 06:00

» الهجر
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف احمد عرفة 2013-12-29, 01:23

» اصلاح الفلاشات التي لا تقبل الفرمتة او التى تحولت الى نظام raw
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف raboha 2013-12-15, 03:18

» عائلة الشيخ محمد شريف
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitimeمن طرف زائر 2013-11-25, 21:29

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
صفا الروح
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_rightالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Barالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_left 
عبدالله شعبان
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_rightالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Barالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_left 
هـمـــوســــة
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_rightالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Barالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_left 
عبد العظيم شريف
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_rightالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Barالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_left 
شريف محمود شريف
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_rightالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Barالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_left 
عطاالله
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_rightالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Barالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_left 
احمد الفقي
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_rightالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Barالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_left 
admin
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_rightالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Barالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_left 
Shamis alnhar
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_rightالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Barالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_left 
أبوشهد
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_rightالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Barالمشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Bar_left 
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 64 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 64 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 867 بتاريخ 2011-02-15, 03:45
برامج مهمه
 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط دبركى على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط دبركى على موقع حفض الصفحات
ادسنس
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 7655 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو black02246903 فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 59225 مساهمة في هذا المنتدى في 15855 موضوع

 

 المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو الرجال
مشرف القسم الاعلامى
أبو الرجال


عدد المساهمات : 213
نقاط : 5807
التقييم : 0
تاريخ الميلاد : 20/10/1972
تاريخ التسجيل : 03/11/2009
العمر : 51
المزاج : مؤمن بالله
تعاليق : ما كان يومئذ دين فهو اليوم دين ومالم يكون يومئذ دين فليس اليوم بدين
اذا لم تكن سلفيا فتشبه بهم فإن التشبه بالكرام فلاح

المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) Empty
مُساهمةموضوع: المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1)   المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1) I_icon_minitime2011-04-03, 03:54

هذه رؤية سياسية شرعية يقدمها الدكتور محمد يسرى إبراهيم نائب رئيس الجامعة الأمريكية الإسلامية المفتوحة والأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح ردا على من يقولون ما الذ ى أدخل السلفيون فى السياسة.
وهذه مقدمة فى فقه السياسة الشرعية:
ارتبطت كلمة «سياسة» في حس كثير من المثقفين والمتدينين بالنفاق والكذب، والانتهازية والاستغلال، والطغيان والاستبداد، حتى صار السياسي المحنك هو من يحسن التآمر على خصومه، وأحيانًا على أنصاره! ويمتلك القدرة على خداع الجماهير ودغدغة مشاعرهم ومداعبة خيالاتهم بالوعود المكذوبة سريعة الزوال.
وعلى صعيد بعض المنتسبين للشرع المطهر غدا النفور من السياسة وأهلها دينًا وديدنًا، حتى تعوَّذ بعضهم من «ساس» و«يسوس»، وغدت عند طائفة رجسًا من عمل الشيطان لا يجوز الاقتراب منها([1])، وعند طائفة أخرى هي بمثابة عورة لا يجوز مسها أو كشفها !!([2]).
ولا يمنع هذا من أن طائفة من العلماء والدعاة أعرضت عنها لأنها ليست أولويةً مقدَّمةً على قائمة الإصلاح بحسب السياق الزماني والمكاني الذي عايشوه([3]) .
يقول الشيخ محمد رشيد رضا: «لم أنشئ «المنار» لمقاومة سلطةٍ أو حكومةٍ، ولا لمدح سلطان أو أمير أو لذمِّهما، وإنما أُنشِئت لمساعدة العقلاء على السعي في تكوين الأمة من طريق التربية والتعليم»([4]). ولكلٍّ وجهة هو موليها!
ومن أهل العلم والدعوة من انطلى عليه زور بعض الساسة والعسكر فدعموهم وآزروهم فلما استتب له الأمر نكل بأنصاره! وما يزال التاريخ يذكر أن علماء مصر ركبوا يومًا إلى رجل من العسكر كان أميًّا وطالبوه - بعد انسحاب الحملة الفرنسية- أن يكون حاكم مصر قائلين: «أنت صرت حاكم البلدة والرعية»([5]) .
فكان كما قالوا، لكنه كان الطاغية الذي حدد إقامة الشيخ الشرقاوي شيخ الأزهر في منزله، ونفى الشيخ عمر مكرم نقيب الأشراف وقائد المشايخ والجماهير! هكذا فعل محمد علي باشا بأنصاره ومؤيديه!
ولا يزال التاريخ يروي مجازر ومآسي عبد الناصر بمن أيّدوه ونصروه!!
وبسبب ما سبق ذكره هرب كثير من الصالحين من هذا المعترك، وانحاشوا من هذا الدرك.
والحق أن أعمال السلاطين المحرَّمة، وتصرفات الرؤساء الظالمة، وتصرفات الساسة الخارجة عن الشريعة ليست من السياسة الشرعية أو المشروعة في قليل أو كثير.
يقول الإمام السخاوي: «ومن أعظم خطأ السلاطين والأمراء تسميةُ أفعالهم الخارجة عن الشرع سياسة؛ فإن الشرع هو السياسة، لا عمل السلطان بهواه ورأيه»([6]).
معنى السياسة لغة وشرعًا واصطلاحًا:
السياسة لغةً:
تدور السياسة في معناها اللغوي على تدبير الأمور وحسن رعايتها وإصلاحها.
والسياسة: تدبير شئون الدولة، فالساسة هم قادة الأمم ومدبرو شئونها العامة([7]).
ومن أجمع معانيها اللغوية أنها: استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في العاجل والآجل([8]).
السياسة شرعًا:
جاء في الحديث: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء»([9]).
ومعنى «تسوسهم»: تتولى أمورهم كما تفعل الأمراء بالرعية([10]).
السياسة اصطلاحًا:
من أجمع المعاني الفقهية قول ابن عقيل الحنبلي فيما نقله ابن القيم عنه في كتابه «إعلام الموقعين»: «السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي»([11]).
فما كان عدلًا من السياسات فالشريعة تقرُّه، وما كان ظلمًا فالشريعة تمنعه، وليس من شرط ما يدخل في مفهوم السياسة أن يكون منصوصًا في كتاب أو سنة؛ فهي قانون موضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأموال([12]).
تعريف علم السياسة الشرعية:
هو علم يُبحث فيه عن الأحكام والنظم التي تُدبَّر بها شئون الدولة الإسلامية، والتي لم يرد فيها نص، أو التي من شأنها التغيُّر والتبدُّل، بما يحقق مصلحة الأمة ويتفق مع أحكام الشريعة وأصولها العامة([13]) .
وعليه فإن كل حكم أو نظام يتعلق بشئون الدولة حقق المصلحة واتفق مع أحكام الشريعة وقواعدها الأصولية والمقاصدية -هو من السياسة الشرعية، وكل ما لم يحقق مصلحة أو خالف الشريعة فإنه لا يعد من السياسة الشرعية في شيء؛ بل وليس من الإسلام في قليل أو كثير؛ إذ هي قوانين وضعية لا ارتباط لها بالشريعة الإلهية.
العلاقة بين علمي السياسة الشرعية والفقه:
السياسة الشرعية كعلم هو جزء من علم الفقه؛ فهو أخص وعلم الفقه أعم؛ وذلك لأن الفقه قد ينقسم إلى عبادات، ومعاملات، وأحوال شخصية، وسياسة شرعية.
فائدة علم السياسة الشرعية:
إن علم السياسة الشرعية يبرهن على شمول هذه الشريعة لاحتياجات البشرية، ووفائها بمطالب الإنسانية، وما فيها من المرونة والسعة يحقق في الواقع صلاحيتها للتطبـيق في كل زمان ومكان.
فهذا العلم يمد المجتمعات بما يواكب التطورات من أحكام شرعية، وإن لم تكن منصوصة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أو يدل عليها إجماع، أو يكون لها نظير في القياس، وذلك بما يحقق مصالح الأمة، ويتفق وقواعد الشريعة، ويبرهن أن الإسلام دين ودولة.
وما أحسن قول الماوردي: «ليس دين زال سلطانه إلا بُدِّلت أحكامه، وطُمست أعلامه، وكان لكل زعيم فيه بدعة، ولكل عصر في وَهْيِه أثر»([14]) .
فمع التزام المسلمين في الصدر الأول بالنظام السياسي الإسلامي كان الدين قويًّا وأحكامه محفوظة، وأعلامه عالية مرفوعة، وبالتخلي عن الدين وَهَى النظام السياسي وضعف، وافترق السلطان عن القرآن فتخلفت العزة وغاب التوفيق، وبدلًا من الحكم بالشرع المنزل انتقل الناس إلى الشرع المؤول، ثم كانت قاصمة الظهر بالتحول جهة الحكم بالشرع المبدَّل، فتبدل الناس بالوحي الهوى، وبالعصمة الضلال، وبالتوفيق الخذلان.
أقسام علم السياسة الشرعية:
يمكن تقسيم علم السياسة الشرعية إلى أقسام خمسة بيانها كالتالي:
أولًا: السياسة الدستورية الشرعية: وهي التي تقابل القانون الدستوري في النظم الوضعية، وتتعلق ببيان علاقة الحاكم بالمحكومين، وبتحديد سلطة الحاكم وبيان حقوقه وواجباته، وكذا الأفراد والسلطات المختلفة في الدولة.
ثانيًا: السياسة الدولية: وهي التي تقابل القانون الدولي العام في النظم الوضعية، وتتعلق بعلاقة الدولة الإسلامية بغيرها في حالتي السلم والحرب.
ثالثًا: السياسة المالية: وهي التي تقابل القانون المالي في النظم الوضعية، وتتعلق بالضرائب، وجباية الأموال، وموارد الدولة ومصارفها، ونظام بيت المال.
رابعًا: السياسة الاقتصادية: وهي التي تقابل علم الاقتصاد في النظم الوضعية، وتتعلق بتداول المال، واستثماره، والآراء والنظم الجديدة؛ كالاشتراكية والرأسمالية ونحوها.
خامسًا: السياسة القضائية: وهي التي تبحث في الوقائع المتعلقة بالنظم القضائية وطرق القضاء والإثبات، ويقابلها هذه المباحث في النظم الوضعية قانون المرافعات، وقانون الإثبات، وبعض مباحث القانون الدستوري.
من خصائص النظام السياسي الإسلامي:
إن النظام السياسي الشرعي يتقيد بالشرع المنزل كتابًا وسنة، ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]، فالسيادة العليا في هذا النظام للشرع المطهر، فهو وحده الذي يملك تقرير الحق والإلزام به، وهو صاحب الكلمة العليا في أمر المجتمع والدولة، بحيث لا توجد سلطة أخرى تساوي سلطته أو تدانيها([15]).
وعليه فإن التشريع الإسلامي دائم لا يُعطل بحال، ولا يُعلَّق مطلقًا، ولا يُنقلب عليه، ولا تملك قوة من قوى المجتمع أن تتفلت من الأحكام الشرعية أو لا تتقيد بها.
وهذا النظام غايته العليا صلاح الدنيا وعمارتها، وفلاح الآخرة وعمارتها.
فالسياسة سياستان: سياسة الدين وسياسة الدنيا؛ فسياسة الدين ما أدى إلى قضاء الفرض، وسياسة الدنيا ما أدى إلى عمارة الأرض.
وهذا النظام السياسي الإسلامي ليس مما يسمونه بالنظام الثيوقراطي في قليل أو كثير؛ لأن الثيوقراطية تقوم على دعامتين:
الأولى: التفويض الإلهي للسلطة السياسية؛ بمعنى أن يكون الحاكم نائبًا عن الله لا عن الأمة.
والأصل في النظام الإسلامي أن الحاكم بمثابة الأجير لدى الأمة في عقد الإمامة، ولا يتولى عليها إلا بإذنها واختيارها.
الثانية: أن الحاكم في النظام الثيوقراطي يختص بحق التحليل والتحريم والتشريع، فكل ما يصدر عنه من أحكام واجب الاتباع، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه! وأما التشريع في النظام الإسلامي فهو حق الله الخالص لا ينازعه فيه منازع.
وليس في النظام الإسلامي استبداد بأي شكل من الأشكال، وإن الذين مارسوا الاستبداد في التاريخ الإسلامي لم يكن النظر إليهم على أنهم يمثلون النموذج الإسلامي الرفيع الذي تقره الشريعة المطهرة.
وليس في النظام الإسلامي ما يدل على عدم قبول التعددية الدينية؛ فالتسامح هو روح النظام الإسلامي في كل مجالات الحياة، وهو ما أثار إعجاب كل منصف.
وكما أن السيادة للشرع المطهر في النظام السياسي الإسلامي فإن السلطان فيه للأمة، فهي صاحبة الحق في اختيار حاكمها، وهي التي تحاسبه وتراقبه وتحتسب عليه، وهي أيضًا التي تلي أمر عزله عند الاقتضاء ممثلة في أهل الحل والعقد منها، وفي الحديث: «لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون»([16]) ، وفي الحديث الآخر: «ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر»([17]) فالله تعالى يأبى قدرًا، والمؤمنون يمتنعون من ذلك فعلًا وعملًا.
وفي الحديث الآخر: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه»([18]).
وهذا يدل على أنه يترتب على اختيار الأمة ما لا يترتب إذا لم تكن هي المختارة لإمامها.
وقد خطب عمر الناس فقال ضمن خطبة طويلة «من بايع رجلًا عن غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو: ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا»([19]).
ولا شك أن الأمة يوم كانت تأخذ بسلطانها، وتراقب حكامها، وتراجع ولاتها -سادت وقادت وأغلق باب الفتن، فلما فرطَّت في حقوقها غلب عليها المستبدُّون، وسامها سوء العذاب الظالمون!
ومن خصائص هذا النظام الإسلامي في السياسة والحكم أنه نظام شوري، الشورى فيه واجبة لا نافلة، قال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران : 159] وقال تعالى ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى : 38] وقال ^ لوزيريه: «لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما»([20]).
قال الحسن رحمه الله: «لو نزل بالحاكم الأمر يحتمل وجوهًا نحوها أو مشكل انبغى له أن يشاور .. يشاور من جمع العلم والأمانة»([21]).
وقال ابن خويز منداد: «واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها»([22]).
والسياسة الشرعية تقوم في نظامها على أداء الأمانة وإقامة العدل، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء : 58-59].
هاتان الآياتان جوهر كل سياسة شرعية، فالأُولى توضِّح للسلطات الإدارية التزامَيْها الأساسيين، والآية الثانية تخاطب كل فرد من أفراد الأمة لا الجيش فحسب([23]).
مشروعية العمل السياسي في الإسلام:
الإسلام دينٌ ودولةٌ، فإذا أقيم الدين استقامت الدولة، وبإقامة الدين واستقامة الدولة تنطلق الأمة في مجالات رحبة؛ من الدعوة والتعليم والحسبة، وباختلال الدولة تختلّ واجباتٌ دينية جماعية؛ كالجهاد والقضاء بالعدل وجمع الزكاة... وغيرها.
ولا شك أن الإمامة العظمى منصبٌ شرعيٌّ؛ فلا دولة بلا إمامة وسلطة تقوم بإدارة شئون الدولة.
والإمامة موضوعةٌ لخلافة النبوة في حراسة الدين، وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجبٌ بالإجماع([24])، وإذا كان عقدها واجبًا شرعيًّا، فهذا أعلى درجات المشروعية.
وعليه فإن كلمة أهل العلم متفقة على أن:
«ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها، فإنَّ بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس... لأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجب من الجهاد والعدل، وإقامة الحج والجُمَع والأعياد، ونصر المظلوم، وإقامة الحدود، لا تتم إلا بالقوة والإمارة»([25]).
قال العز بن عبد السلام: «أجمع المسلمون على أن الولايات من أفضل الطاعات؛ فإن الولاة المقسطين أعظمُ أجرًا وأَجَلُّ قَدْرًا من غيرهم؛ لكثرة ما يجري على أيديهم من إقامة الحق، ودرء الباطل... وعلى الجملة فالعادل من الأئمة والولاة والحكام أعظم أجرًا من جميع الأنام بإجماع أهل الإسلام»([26]).
فإقامة الدين على وجهه تستند إلى إقامة الدولة ونصب الأئمة ولا بد.
وقال ابن تيمية: «فالواجب اتخاذ الإمارة دينًا وقربة يُتقرب بها إلى الله تعالى؛ فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من أفضل القُرُبَات»([27]).
ولأجل هذا طلبها غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم؛ وذلك لما فيها من الخير والإصلاح، وأما النهي عنها فيتنزَّل على من كان ضعيفًا أو غير متأهل لها.
قال النووي في شرح حديث: «يا أبا ذر إنك ضعيف...»([28]):
«هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائفها، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلًا لها، أو كان أهلًا ولم يعدل فيها؛ فيخزيه الله تعالى يوم القيامة.
وأما من كان أهلًا للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة؛ كحديث: «سبعة يظلهم الله في ظله...»([29])، وإجماع المسلمين منعقد عليه»([30]).
وهذا بالجملة يدل على مشروعية العمل السياسي من حيث الأصل، إلا أن مفاسد كثيرة، ومشاكل عديدة تكتنف هذا العمل في واقع الناس اليوم؛ منها ما يتعلق بنُظُم الحكم والإدارة، ومنها ما يتعلق بواقع الدعوة والدعاة، وهو أمر يجعل العمل السياسي -من خلال الأحزاب السياسية المعاصرة، ومجالس التشريع والشورى المعهودة في بلاد المسلمين اليوم- دائرًا في فلك قضايا السياسة الشرعية القائمة على المقابلة بين المصالح والمفاسد، والتي قد تختلف فيها الفتيا باختلاف الزمان والمكان والأحوال.


أهداف العمل السياسي الإسلامي المعاصر وأغراضه:
يمكن تلخيص تلك الأهداف والأغراض الأساسية للعمل السياسي المعاصر فيما يلي:
1- استئناف الحكم والتحاكم إلى الشريعة الإسلامية:
إن تنحية الشر ع واستبداله مُنافٍ للإسلام؛ وذلك لأن الإسلام إنما هو استسلام لله وحده، واحتكام إليه وحده، ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِله﴾[الأنعام: 57]، ﴿فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: 65]، فالكتاب والسنة هما مصدر التشريع في الإسلام، ومبدأ المشروعية إنما أُخذ عن الإسلام؛ فلا طاعة في معصية الله، «إنما الطاعة في المعروف»([31])، و«لا طاعة لمخلوق في معصية الله»([32]).
وقد قال الصديق رضي الله عنه: «أطيعوني ما أطعتُ اللهَ ورسوله فإذا عصيتُ اللهَ ورسوله فلا طاعة لي عليكم»([33]).
وقد قَيدت السنة المطهرة السمع والطاعة بقيد تحكيم الشريعة؛ لحديث: «اسمعوا وأطيعوا وإن أُمِّرَ عليكم عبدٌ حبشي ما أقام فيكم كتابَ الله»([34]).
قال القاضي عياض: «أجمع العلماء على أنه لو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع أو بدعة -خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخَلْعُهُ، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك»([35]).
وقال ابن حزم: «الإمام واجبٌ طاعته ما قادنا بكتاب الله وسنة رسوله ^، فإن زاغ عن شيء منهما مُنع من ذلك، وأُقيم عليه الحد والحق، فإن لم يؤمن أذاه إلا بخلعه خُلع ووُلي غيره»([36]).
2- حماية الحقوق والحريات الإنسانية الفردية والجماعية:
فلا حق للسلطة في الدولة الإسلامية في استحلال قتلِ أو تعذيبِ أو اضطهادِ أحدٍ لمجرد معارضة أو لمطلق مخالفةٍ لنظامٍ أو حكم!
قال ابن تيمية: «السلطان يؤاخذ على ما يفعله من العدوان ويفرط فيه من الحقوق مع التمكن»([37]).
وليس للسلطة أن تمنع الإنسان من فعل إلا إذا كان محظورًا أو مضرًّا بالمصلحة العامة أو بالغير.
وليس للسلطة أن تمنع من انتماء إلى طوائف سياسية أو توجهات تطرح برامج إصلاحية، أو تيارات تسعى للوصول إلى السلطة بطريقة سلمية دون مصادمة لدين الأمة والدولة.
وعلى الدولة والسلطة تحقيقُ مبادئ العدل والمساواة معًا؛ عدلًا في القضاء ومساواة في العطاء، وتأمينًا لحاجات كل إنسان يعيش في ظل هذه الدولة مسلمًا كان أو غير مسلم، وأن للأمة حقًّا في بيت المال، وأن الإمام وكيلٌ عنها في التصرف فيه بحسب مصالحها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ليس لولاة الأموال أن يقسموها بحسب أهوائهم كما يقسم المالك ملكه؛ فإنما هم أمناء ونواب ووكلاء، وليسوا ملاكًا»([38]).
3- استفاضة الدعوة إلى الله وحمايتها:
إن قضية الدعوة إلى الله تعالى وتحكيم الشرع المطهَّر تعتبر مطلبًا أساسيًّا من مطالب الدعوة إلى الله ومهماتها، ونَقْل الدعوة إلى ساحات جديدة؛ كالمنابر والمؤسسات السياسية وإسماع الكافة هذه الدعوة من خلال كل منبر متاح -لهو أمرٌ من الأهمية بمكان، قال تعالى ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:104]
وإن الاحتساب على المنكرات العامة -ولا سيما المنكرات السياسية- والمخالفات العامة، وكشف فساد المفسدين، وعبث العابثين بمقدرات الأمة ومصائرها –لمـما يرقِّي الأمة في مدارج القوة والعافية، ويسلمها إلى معارج القيادة والتمكين.
كما أن البروز في الميدان السياسي يمهد للمطالبة بحرية أكبر للدعاة إلى الله، ويَعِدُ بأجواء أفضل لممارسة واجب البلاغ وإقامة الحجة، كما تجتمع مصالح أخرى كقطع الطريق على قالة السوء، ومروِّجةِ الافتراءات حول الدعوة والدعاة، وهذا من شأنه أن يَحُولَ دون الوقيعة بين الأمة ودعاتها المخلصين، وبكل حال فإن مواجهة العَلمانية ومزاحمتها سياسيًّا خير من إخلاء الساحة لها لتُفرض فرضًا ولتكون خيارًا وحيدًا للشعوب الإسلامية.

الإصلاح السياسي المعاصر ومجالاته:
أيًّا ما كان موقف أهل العلم والدين في بلادنا من السياسة والاشتغال بها، فإن الحد الأدنى من مطالب الجميع لا يخرج عما يلي:
1- تعديل الدستور؛ فهو الركيزة الأساسية في الدولة، ويمثل مرجعيتها، وعنه تنبثق القوانين واللوائح، وما دام أنه صناعة بشرية فيتعين تعديله بما يوافق الشرع المطهر.
2- إلغاء العمل بقانون الطوارئ سيء السمعة والذي وضع البلاد على حافة الانهيار وعرَّضها للانفجار، وألقى بظلال سوداء على الحياة بأسرها.
3- إعادة تنظيم العملية الانتخابية باعتبارها المرآة التي تعكس صورة حقيقية للمجالس النيابية، وتفعيل الإشراف القضائي عليها.
4- إتاحة الفرصة لتطوير العمل الحزبي وتكوين الأحزاب السياسية؛ ليخرج الحزب من كونه منبرًا للرأي فقط إلى دور فاعل في المجتمع له آلياته واتصاله المباشر بالجماهير.
5- القبول بالتيار الإسلامي بكل طوائفه المنضوية تحت راية أهل السنة والجماعة كقوة فاعلة في المجتمع، وعدم اضطهاده، أو تجاهله، أو العمل على عدم استيعابه داخل إطار المشروعية.
6- تحريرُ الدعوة إلى الله على منهج أهل السنة والجماعة من قيود الممارسة، وتوسيع رقعة الحرية في التعبير عن الرأي.
7- إتاحة الفرصة والمجال لمراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها سياسيًّا، وتأكيد استقلال القضاء والإفتاء والأزهر؛ بما يضمن عدم استغلال المناصب الشرعية لتحقيق مصالح شخصية أو فئوية.

الفصل الثاني: أصول وركائز فقه السياسة الشرعية
إن فقه السياسة الشرعية يعتمد على جملة أصول مهمة وقواعد حاكمة وهي كثيرة ومتعددة، تهدف في جملتها إلى إقامة العدل الذي لا يتأتى على وجهه إلا بإقامة الشرع، وتحقيق المصلحة التي اعتبرها الشارع فلم يهدرها.
وفيما يلي بعض الركائز المهمة التي يقوم عليها الفقه الاجتهادي في السياسة الشرعية:
أولًا: فقه النصوص:
الأدلة المنصوصة في الكتاب والسنة هي عمدة استدلال الفقيه والمفتي المجتهد، وهذا أمر كالمجمع عليه، وذلك بسبب ما للنصوص من خصائص ومميزات تبين السبب في التعويل عليها والصدور عنها، ومن تلك الخصائص:
1- النصوص وحي الله تعالى:
سواء أكانت من القرآن الكريم أم السنة الصحيحة المطهرة، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3، 4]، وكلاهما بلغنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم، فالكتاب سُمع منه تبليغًا عن ربه تعالى، والسنة صدرت عنه تبيينًا([39]).
قال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: 19].
2- النصوص محفوظة بحفظ الله:
كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، قال ابن القيم: «والله تعالى قد ضمن حفظ ما أوحاه إليه صلى الله عليه وسلم وأنـزل عليه، ليقيم به حجته على العباد إلى آخر الدهر»([40]).
3- النصوص حجة الله على خلقه:
قال ابن القيم: «إن الله سبحانه قد أقام الحجة على خلقه بكتابه ورسله، فقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: 1].
وقال: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: 19]، فكل من بلغه هذا القرآن فقد أنذر به وقامت عليه حجة الله به»([41]).
4- النصوص طريق العلم ومعرفة الحكم:
قال ابن عبد البر: «وأما أصول العلم فالكتاب والسنة، ويوضحه أن هذا الأصل هو طرق التحليل والتحريم ومعرفة أحكام الله وشرعه»([42]).
5- النصوص واجبة الاتباع:
وقال ابن تيمية: «... فلهذا كانت الحجة الواجبة الاتباع للكتاب والسنة والإجماع، فإن هذا حق لا باطل فيه، واجب الاتباع لا يجوز تركه بحال، عام الوجوب لا يجوز ترك شيء مما دلت عليه هذه الأصول، وليس لأحد الخروج عن شيء مما دلت عليه، وهي مبنية على أصلين: أحدهما: أن هذا جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، والثاني: أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وجب اتباعه، وهذه الثانية إيمانية، ضدها الكفر أو النفاق»([43]).
6- النصوص واجبة التسليم:
قال تعالى: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾[آل عمران: 7]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾[الأحزاب: 36]، وفي الحديث: «إن القرآن لم ينـزل يكذب بعضه بعضًا، بل يصدق بعضه بعضًا؛ فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه»([44]).
7- النصوص تقدم على الرأي وعلى كل فتيا مخالفة:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: 1]، وقال سبحانه: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾[القصص: 50].
قال الإمام مالك: «أوكلما جاء رجل أجدل من الآخر، رد ما أنـزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم»([45])، وقال الشافعي: « يسقط كل شيء خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقوم معه رأي ولا قياس»([46]).
8- النصوص وافية وشاملة لجميع الدين أصوله وفروعه:
قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: 89]، وقال تعالى: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَِ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [سبأ: 6].
قال الشافعي: «فليست تنـزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها»([47]).
9- النصوص واضحة المعاني ظاهرة المراد:
قال ابن القيم: «وكذلك عامة ألفاظ القرآن نعلم قطعًا مراد الله ورسوله منها، كما نعلم قطعًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغها عن الله تعالى، فغالب معاني القرآن معلوم أنها مراد الله، خبرًا كانت أو طلبًا، بل العلم بمراد الله من كلامه أوضح وأظهر من العلم بمراد كل متكلم من كلامه؛ لكمال علم المتكلم وكمال بيانه، وكمال هداه وإرشاده، وكمال تيسيره للقرآن، حفظًا وفهمًا، عملًا وتلاوة.
فكما بلَّغ الرسول ألفاظ القرآن للأمة بلَّغهم معانيه، بل كانت عنايته بتبليغ معانيه أعظم من مجرد تبليغ ألفاظه»([48]).
10- النصوص إذا وجدت سقط الاجتهاد:
فلا يصار إلى الاجتهاد إلا إذا عدم النص؛ ذلك أن المصير إلى الاجتهاد إنما يكون عند وجود ضرورة ملجئة؛ فالنصوص هي المرجع الأول والحجة القاطعة، ولا ينعقد إجماع على خلافها أبدًا.
قال ابن تيمية: «... وذلك أن الحق الذي لا باطل فيه هو ما جاءت به الرسل عن الله، وذلك في حقنا، ويعرف بالكتاب والسنة والإجماع»([49]).
فالاجتهاد السياسي إنما يكون في غير المنصوص عليه، أو فيما كانت دلالته ظنية نظرية لا قطعية.
ثانيًا: فقه المقاصد:
ذلك أن الشريعة المطهرة إنما وضعت لحفظ مقاصدها من الضروريات والحاجيات والتحسينيات، والتكاليف الشرعية، كما يقول العز بن عبد السلام، «الشريعة كلها راجعة إلى مصالح العباد في دنياهم وآخرتهم»([50]).
وشيخ الإسلام يقرر أن: «الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها»([51])، فالشريعة «عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها»([52]).
وقد نقل الطوفي الإجماع على تعليل الأحكام بالمصالح ودرء المفاسد ([53]).
والله تعالى إنما أقام الشريعة على هذا المعنى؛ لأنه سبحانه يحب الصلاح والفلاح ولا يحب الفساد والبوار.
وقد نصت الشريعة على حكم وعلل للأحكام، وبين النبي ^ ابتناء دينه على نفي الضرر والضرار، وقصده إلى السعة واليسر ونفي الحرج.
ولا شك أن شواهد الأحكام تدل على هذا المعنى بالاستقراء، وهو ما يقيم برهان صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان وحال.
وإن ما يمر ببلادنا من أحوال مستجدة سوف يفضي بأهل الشريعة وعلمائها إلى فتاوي تحقق المصالح وتنفي المفاسد، وتجمع بين النصوص والمقاصد، وتربط بين الجزئيات والكليات، وتجمع بين الأحكام، وعللها وحكمها.
والمتصدرون لمثل هذه المسائل الشائكة حين يُعمِلون هذه القاعدة وغيرها قد يخرجون بأحكام أو بفتاوي قد تستنكر بادي الرأي، لكنها قد تثبت عند المناقشة والموازنة والترجيح، كما انتهى إليه نظر عمر رضي الله عنه في إيقاف سهم المؤلفة قلوبهم، وتعطيل قطع يد السارق في المجاعة، ومنع الزواج بالكتابية، والإلزام بالطلقات الثلاث، والزيادة في حد الشرب إلى ثمانين... وغير ذلك من التصرفات العمرية التي تعتبر اجتهادًا مقاصديًّا مع أنه رضي الله عنه هو الذي أعمل النص الجزئي عند تقبيل الحجر الأسود، والاضطباع، والرَّمَل... وغير ذلك.
ومن قبل اجتهد مقاصديًّا بعض الصحابة فراعوا المقاصد فصلوا العصر في الطريق إلى بني قريظة، واجتهد غيرهم فلم يصلها إلا بعد العشاء في بني قريظة، فكان الأولون مع المقصد والمعنى، وكان الآخرون مع النص والمبنى، ولم يكن أحد الفريقين ينقصه الهدى أو التقى، ولكنه الاجتهاد البشري الذي قد يراعي جانبًا أكثر من جانب، والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خطَّأ أحد الفريقين، ولا ثرَّب على أحد من المجتهدين.
وإعمال تلك القواعد والأصول الحاكمة يكون باعتمادها إطارًا لمعالجة الوقائع والنوازل التي يحتاج في معالجتها إلى ورع دقيق، وفقه عميق، وفطنة وملكة صحيحة.
والنوازل السياسية وما تواجه به من تأصيل لأحكامها وتقعيد لمسائلها ينبغي أن يراعى فيه الفروق بين الضرورة الفردية، والضرورة الجماعية العامة، فالأولى مؤقتة، والثانية دائمة.
والأولى قد تتحقق بسهولة، ويتعرف على وجودها بيسر، والثانية لا تتحقق إلا بعد طول نظر، وفحص وبحث.
وفي جميع ما سبق تقصد الشريعة وأهلها إلى إخراج المكلف من داعية هواه إلى طاعة ربه ومولاه، وتحقيق الامتثال لقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
وكل من الفقيه المفتي، والسائل المستفتي عليه أن يحسن قصده، ويضبط قوله بضوابط الشرع المطهر.
أما المفتي فيعلم أنه يمارس صفة مركبة تبدأ بالتشخيص والتكييف الفقهي للمسألة، وتمر بتلمس الدليل، وعلاقاته بالواقع، ومن ثم تصدر الفتيا، ولا يتم إلا بعلم وعمل ودربة وتجربة ومشورة.
وليحذر المفتي والمستفتي من الوقوع تحت ضغط الواقع والمجتمع، أو التقديم بين يدي الله ورسوله بقول، أو رأي، وقد قال تعالى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: 119].
والأصل هو وجوب التحاكم إلى الشرع المطهر داخل ديار الإسلام وخارجها، فإن الأحكام الشرعية تخاطب المسلم حيثما كان، وتحكيم الشريعة عند القدرة على ذلك أحد معاقد التفرقة بين الإيمان والنفاق([54]).
وعليه، فلا يحل لمسلم أن يتحاكم إلى غير كتاب ربه، فإن فعل اختيارًا لم يكن من أهل الإسلام.
قال ابن حزم: «لا خلاف بين اثنين من المسلمين أن من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنص عليه وحي في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام» ([55]).
وقال ابن تيمية: «والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرًا باتفاق الفقهاء» ([56]).
ويرخص في اللجوء إلى القضاء الوضعي عندما يتعين سبيلًا لاستخلاص حق أو دفع مظلمة في بلد لا تحكمه الشريعة؛ لانعدام البديل الشرعي القادر على ذلك، سواء أكان ذلك داخل بلاد الإسلام، أم كان خارجها، ويقيد ذلك بما يلي:
- تعذر استخلاص الحقوق، أو دفع المظالم عن طريق القضاء، أو التحكيم الشرعي لغيابه، أو العجز عن تنفيذ أحكامه.
- اللجوء إلى بعض حملة الشريعة لتحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق في موضوع النازلة، والاقتصار على المطالبة به، والسعي في تنفيذه؛ لأن ما زاد على ذلك ابتداءً أو انتهاءً خروجٌ على الحق، وحكمٌ بغير ما أنزل الله.
- كراهية القلب للتحاكم إلى القضاء الوضعي، وبقاء هذا الترخص في دائرة الضرورة والاستثناء.
دل على ذلك قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 173]، وقوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: 145]، وقوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: 115]، كما يستفاد ذلك من القاعدة الفقهية: «الضرورات تبيح المحظورات»، ودلائلها المعروفة في كتب القواعد الفقهية.
كما يدل على ذلك أيضًا قصة لجوء الصحابة ش للمثول أمام الحاكم النجاشي الكافر-يومئذ- مرتين بسبب مطالبة كفار قريش بهم، وللذود عن حقهم في إبطال مزاعم قريش الباطلة فيهم.
ثالثًا: فقه الترجيح عند التعارض:
في حياة الناس اليوم تقابل وتعدد، وتشابك معقد بين المصالح والمفاسد والمنافع والمضار، حتى قلَّ أن تتمحض حسنة أو تصفو منفعة إلا ويشوبها ما يعكر عليها.
وقد يكون التقابل بين المصالح فيقدم أولاها وأرجحها؛ فالضروري يقدم على غيره، والحاجي يقدم على التحسيني وما كان نفعه متعديًا يقدم على ما نفعه قاصر إذا كانا من رتبة واحدة.
وما كان أخرويًّا قدم على ما كانت منفعته دنيوية محضة، وما كان من المصالح كليًّا مقطوعا به قدم على الجزئي المتوهم، والواجب يقدم على المندوب عند التعارض، والفرض أفضل من النفل ولا بد.
والواجب المضيق يقدم على الموسع، وآكد الواجبين يقدم عند التعارض.
وقد قال تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾[الزمر: 55]، ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾[الزمر: 18]. ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 271].
وقد علم النبي صلى الله عليه سلم معاذًا بأي شيء يبدأ أهل الكتاب وبما يثنِّي في دعوته، وقدم الفرائض في محبة الله على النوافل([57]).
وهكذا أيضًا عند تعارض المفاسد تدفع أعظمها فسادًا.
فإذا «دار الأمر بين درء مفسدتين وكانت إحداهما أكثر فسادًا من الأخرى فدرء العليا منهما أولى من درء غيرها، وهذا موضع يقبله كل عاقل، واتفق عليه أولو العلم».([58])
وكما أن القاعدة السابقة تنص على تقديم المصلحة الأرجح والأولى عند التعارض بين المصالح، فكذا عند تعارض المفاسد تدفع المفسدة الأكبر، ولا شك أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك، فيرتكب أدنى المكروهين ضررًا ليتخلص به من أشدهما ضررًا([59]). فمطلوب الشريعة ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعًا، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعًا. ([60])
أدلة القاعدة:
أولًا: القرآن الكريم:
قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 217].
وجه الدلالة:
قال ابن تيمية في معنى الآية: «يقول الله عز وجل: وإن كان قتل النفوس فيه شر، فالفتنة الحاصلة بالكفر وظهور أهله أعظم من ذلك، فيندفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما». ([61])
ثانيًا: السنة المطهرة:
1- عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون أثرة وأمور تنكرونها». قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: «تؤدون الحقَّ الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم»([62]).
2- وعن أسيد بن حضير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض»([63]).
وجه الدلالة:
الحديثان يوجهان إلى الصبر على مفسدة أمراء الجور، وترك قتالهم لما يترتب عليه من الفتنة الكبيرة والشر المستطير، قال ابن تيمية: «فأمر -مع ذكره لظلمهم- بالصبر وإعطاء حقوقهم وطلب المظلوم حقه من الله، ولم يأذن للمظلوم المبغي عليه بقتال الباغي في مثل هذه الصور؛ فإن فيه فتنة وشرًّا أعظم من ظلمهم، فالمشروع فيه الصبر». ([64])
3- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمًا، فقلت: والله يا رسول الله لَغيرُ هؤلاء كان أحقَّ به منهم. قال: «إنهم خيروني أن يسألوني بالفُحش، أو يبخِّلوني، فلست بباخل»([65]).
وجه الدلالة:
«الحديث فيه ارتكاب مفسدة لأجل أخرى؛ فإن القوم خيروه صلى الله عليه وسلم بين أمرين مكروهين لا يتركونه من أحدهما: المسألة الفاحشة، والتبخيل، والتبخيل أشدُّ، فدفع صلى الله عليه وسلم الأشدَّ بإعطائهم»([66]).
ومثل هذا تركه صلى الله عليه وسلم الصلاة على الغالِّ([67]) والمدين([68]) وتركه قتلَ المنافقين([69])، وهذا يدل بجلاء على صحة هذه القاعدة، وكثرة تطبيقاتها.
وفي تقريرها من جهة القواعد الأصولية والمقاصدية يقول العز بن عبد السلام: «وقد أمر الله بإقامة مصالح متجانسة، وأخرج بعضها عن الأمر إما لمشقة ملابستها، وإما لمفسدة تعارضها، وزجر عن مفاسد متماثلة، وأخرج بعضها عن الزجر، إما لمشقة اجتنابها، وإما لمصلحة تعارضها».([70])
وفي مثل النوازل السياسية قد يقال إذا تعارض الواجب مع المحظور أيهما يقدم؟
والجواب: أن يقال إن التعارض المقدر إذا كان بشكل مطلق أو كلي أو أغلبي وكان في محلٍّ واحدٍ أو حالٍ واحدةٍ فيقدم الأمر على النهي، ويكون ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي.
وأما ما يتعلق بالجزئيات من ذلك، كأن يتعارض فعل المأمور الجزئي مع ارتكاب المنهي الجزئي في محلٍّ واحد، فينبغي النظر في رتبة المأمور ورتبة المحظور، فإن كانت المفاسد المترتبة على فعل المحرم أعظمَ من مفاسد ترك الواجب احتُمِلت مفسدة ترك الواجب لدرء مفسدة فعل المحرم، وإن كانت مفسدة ترك الواجب أعظمَ ففعل المحرم أولى، وهذا له تعلق بالترجيح بين المصالح والمفاسد عند التعارض، وضوابط ذلك من الكلية والجزئية والتعدي والقصور.
وعليه فلا بدَّ ولا غنى عن النظر في مراتب الأمر والنهي، والواجب والمحرم عند التعارض، فإذا تعارضت صغيرة مع واجب شرعي فليقدم الواجب -فضلًا عن ركن أو أصل من أصول الإيمان- وإذا تعارضت الكبيرة مع الواجب الذي هو من جنس الوسائل –مثلًا- فليقدم ترك مثله على ارتكاب مثلها.
فإن استوت الرتبتان بين الواجب والمحظور، أو نقصت رتبة الواجب، أو حصل تردد أو اشتباه فليعمل عندئذ بمذهب عامة الأصوليين من تقديم درء المفسدة على جلب المصلحة، أو تقديم الامتناع عن ارتكاب المنهي عنه درءًا لمفسدته، ولو فَوَّتَ هذا تحصيلَ مصلحة الأمر.
على أنه لا اختلاف على أن ترك الحرام أولى من فعل ما يستحب، فإذا كان الدنو والقرب من الإمام وإدراك الصف الأول يوم الجمعة وفي الجماعة مستحبًّا متأكدًا فإن تخطي الرقاب يوم الجمعة محرم، فينهى عن ذلك، ولو فَوَّتَ المصلحة المترتبة على فعل المستحب.
ولأجل هذا قعّد الفقهاء: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وعند التعارض يقدم المانع على المقتضي، ودارت على هذا المعنى قواعد كثيرة منها:
1- الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف([71]).
2- يختار أهون الشرين أو أخف الضررين([72]).
3- يُتَحَمَّلُ الضرر الخاص لدفع الضرر العام ([73]).
4- إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما([74]).
5- إذا اجتمع ضرران أسقط الأصغر الأكبر([75]).
وهذه القواعد مختلفة مبنًى مقتربة معنًى في الجملة، وهي متعلقة بالقاعدة الفقهية السابقة: «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ومتفرعة عن القاعدة الكلية الكبرى: «لا ضرر ولا ضرار».
وهي تدور حول المعنى الكلي العظيم والذي ابتنيت عليه الشريعة السمحة من تحصيل المصالح وتكميلها، ودفع المفاسد وتقليلها.
وتعتبر قاعدة: «يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام» مبنيةً على المقاصد الشرعية في مصالح العباد، استخرجها المجتهدون من الإجماع، ومعقول النصوص، وتعتبر قيدًا لقاعدة: «الضرر لا يزال بمثله»([76]).
فالشرع إنما جاء ليحفظ على الناس دينهم، وأنفسهم، وعقولهم، وأنسابهم، وأموالهم، فكل ما يؤدي إلى الإخلال بواحد منها فهو مضرة يجب إزالتها ما أمكن، وفي سبيل تأكيد مقاصد الشرع بدفع الضرر الأعم بارتكاب الضرر الأخص، ولهذه الحكمة شُرِعَ حدُّ القطع حمايةً للأموال، وحدُّ الزنا والقذف صيانةً للأعراض، وحدُّ الشرب حفظًا للعقول، والقصاصُ وقتلُ المرتد صيانةً للأنفس والأديان، ومن هذا القبيل شُرِعَ قتلُ الساحرِ المضرِ، والكافرِ المضلِّ؛ لأن أحدهم يفتن الناس، والآخر يدعوهم إلى الكفر، فيتحمل الضرر الأخص ويرتكب؛ لدفع الضرر الأعم([
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المشاركات السياسية المعاصرة فى ضوء السياسة الشرعية(1)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الكَياسة في فن السياسة
» سأل طفل والده عن معنى السياسة ...
» التحصينات الشرعية من أنفلونزا الخنازير
» مؤتمر الهيئة الشرعية الثانى
» الفرق بين البدعة الشرعية والبدعة اللغوية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
دبركى :: اسلاميات :: اسلامنا-
انتقل الى: