عزه النفس

لمن العزة ؟
بسم الله الرحمن الرحيم

لمن العزة ؟

ينتاب نفوس الكثير منا العزة والفخر بانتمائه لعائلة ما أو قبيلة ما أو جنسية ما

ويحاول أن يورث هذه العزة لأبنائه وأهله , فنجد الكثير يتباهى ويتفاخر بمقامه

وعزة قومه , ويجنح بعضهم إلى التعصب وإظهار شرف قبيلته , ولو أدى به الأمر

إلى الطعن في أنساب الآخرين , وهذا نجده قد تفشى في كثير من القبائل مما قد يورث

العداء والخصومات بين القبائل , وهذا ما ينتج عنه عواقب وخيمة لا تحمد عقباها

ويرى البعض أن التفاخر بالأنساب أمر محمود وشيء مرغوب , يكسب النفس عزة وفخرا

وهذا غير صحيح على الإطلاق , إن التفاخر بالنسب والجنس محرم وهو من خصال
الجاهلية التي أبطلها الإسلام .

عن سلام قال : قال أبو مالك الأشعري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

( إن في أمتي أربعا من أمر الجاهلية ليسوا بتاركيها , الفخر في الأحساب
والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة على الميت , كأن النائحة
إن لم تتب قبل أن تموت فإنها تقوم يوم القيامة عليها سربال أو سراويل من قطران ثم
يغلى عليها دروعها من لهب النار ) أخرجه مسلم .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر

أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد ) صحيح مسلم

إن من أعظم موروثات التفاخر والاعتزاز هو الكبر الذي يبغضه الله ورسوله , وهو ما

أوجب اللعن على إبليس لعنه الله حين أمره الله عز وجل بالسجود لآدم فقال لعنه الله :
أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين .

لقد افتخر إبليس بنفسه وتكبر على الله وخرج عن طاعته وهذا ما أوجب طرده من رحمة

الله إلى يوم الدين .

إن الطعن بالأنساب والتفاخر على الآخرين من السخرية التي نهى الله عنها , يقول الله تعالى:

{ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خير منهم ولا

نساء من نساء عسى أن يكن خير منهن } .

كما أن مداهمة العزة للنفس وتزكيتها والمغالاة في رفعتها وعلوها مما نهى الله سبحانه وتعالى

عنها , يقول الله تعالى : { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى }

فالجنوح إلى العزة والتفاخر من الإسراف الطاغي التي تورد النفس مغبة المهالك

إنه مفهوم خاطئ وجسيم ما يحمله الكثير منا بأن العزة في كثرة الأموال والأولاد
والعشيرة والسطوة والسيطرة على الآخرين .

إذا أين العزة ؟ ولمن العزة ؟

إن العزة في مفهومها الصحيح الجلي التي تحدث عنها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة

يقول الله تعالى : { أتبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا }

ويقول الله تعالى : { ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم }

ويقول الله تعالى : { سبحان ربك رب العزة عما يصفون }

فالآيات الكريمة السابقة وغيرها من الآيات تحصر العزة لله وحده ولا يحق لأحد أن يدعيها من غيره

ففي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال تعالى : ( الكبر ردائي والعزة إزاري فمن نازعني فيهم ألقيته في النار )

ويقول الله تعالى : { يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها

الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقون لا يعلمون } .

فعندما ادعى المنافقون العزة لأنفسهم بين الله لمن تكون العزة , وبيان الله أجل وأعلى من أي بيان

فهذا رب العزة يجعل العزة والتي هي صفة من صفاته يجعلها لرسوله وللمؤمنين ,
تلك هي العزة المحمودة , والفخر المنشود , فالله يعز من يشاء ويذل من يشاء ,

فعزة النفس مقرونة بطاعتها لربها واتباع سنة نبيها صلى الله عليه وسلم وهديه المنير ,

إن إخضاع النفس تذللا لله تكسبها الرفعة والعزة , وتهذيبها على هدي نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم تمنحها الخلق القويم والفخر الرفيع

تلك هي العزة الحقيقية والكرامة الإلهية العظيمة , إنها عزة الإسلام وعزة الدين

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمتى ارتضينا العزة بغيره أذلنا الله )

فيامن تفخر بعزة القبيلة وشرف النسب وبسطت الجاه , هل أبصرت فرعون بجبروته
وعزه بملكه كيف نبذه الله في اليم وهو مليم , هل أبصرت قارون بكنزه وماله وتفاخره
كيف خسف الله به وبداره الأرض فكان كأن لم يغنى فيها ولم يكن , هل أبصرت
إلى النمرود بتعاليه وادعائه أنه يموت ويحيي كيف سلط الله عليه حشرة صغيرة
قهرته وأذلته وطفق النعل يهوي على رأسة وقتل بسيف جلاده .

فلتكن عزتنا بديننا وإسلامنا وإيماننا وطاعة ربنا والاقتداء بهدي نبينا صلى الله عليه وسلم

فمتى تعززنا بها وجعلنها مصدر فخرنا فلن يجعل الله لأعدائنا علينا سبيلا .

نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه

وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم